علي القاسمي
خلال الأيام الفائتة كان التعليم سيد محاور النقاش المجتمعية، وعصب التحليل والتبرير والمحاولات المتبادلة ما بين تفكيك المداخل وتهيئة المخارج. وللحق فالتعليم يستحوذ على الاهتمام ودوائر الصراع والعراك على مدار العام، لكن هذا الاهتمام قد يرتفع مؤشره ويصبح مضاعفاً بذريعة قصة أو قصتين ومع إطلالة مشهد غير مرتب أو تم استدعاؤه في أوقات السعة والراحة.
ارتفاع الاهتمام ونشوء الجدل تربعت خلفهما قصتان: الأولى كانت تتحدث عن هروب فتيات من مدرستهن وهو هروب مفاجئ غير مسبوق فعلاً ولا كيفيةً لكون ما انطبع في رصيد الذاكرة والمعلوم من الحكايات العابرة أو المقبوضة أن الهروب المدرسي شأن ذكوري بحت ومن انحرافات المراهقة والمشاكسة التي يختص بها الذكور من دون الجنس الآخر الناعم، وحين جاء الهروب في صبغة أنثوية أُدخل التعليم في خانات التقصير والإهمال والفشل والانحدار السلوكي المخيف.
القصة الثانية دارت وذاعت عقب تمرير صورة خاطفة لعبارة سكنت صدر جدران مدرسة نسائية وكانت تقول: «تعرف رجولة الرجل من عباية أهله». وعلى رغم الضعف الذي حملته هذه العبارة وقسوتها الممزوجة بحرصٍ أخطأ الطريق والتعبير أن قومي أخذتهم أبعاد هذه العبارة ما بين مؤيد ورافض، لتميل وزارة التعليم حينها إلى ضرورة التحقيق في ما وراء القصة الأولى وتزيل في القصة الثانية العبارة المكتوبة كحل سريع وخاطف يشبه التفاعل اللازم مع شرارات مشتعلة يمكن أن تقود إلى أخطار التأويل والتفسير والإرباك والارتباك.
في قصة الهروب خلل ولا شك، الخلل مشترك بين التعليم بمفهومه الكبير الممثل بحجم أصغر في «المدرسة» وبين المنزل بالطبع، على اعتبار أنه حاضن لست عشرة ساعة يومية على أقل تقدير من ساعات الصغيرة الهاربة. الهروب لا تتحمله المدرسة بالنسبة المئوية الكاملة فنية الهروب المتوافرة في كائن عرف بالنعومة والهدوء تستحق أن تبحث على طول الطريق الرابط بين المدرسة والبيت، والمشروع اليومي للسيد/ المذكر يختلف جذرياً عن مشروع الأنثى اليومي، المذكر قابل للانفلات السريع لسعة ويسر العوامل المحيطة فيما أن الأنثى ذات قابلية بطيئة ومتدرجة وإن كانت مستترة وأخطر، الهروب أو القفز الأنثوي بمعنى أدق مثير وجدير بأن يكون على طاولة خبراء التعليم، أما عبارة المدرسة الداخلة في الإطار التوعوي فليست غريبة على المطلق، ولو فتشنا داخل المدارس بنوعيها الذكوري والأنثوي لوجدنا أن الحرص والاهتمام مسيطران على ذهنية من أوكلت لهم مهمة التعليم، هم خائفون جداً للدرجة التي يمكنهم فيها أن يكتبوا ويقولوا أي شيء. النص المكتوب يمكنك سماعه في نقاشات ما بعد الصلاة، وأحاديث ما قبل السماء والجمل الساخنة حين تَحمل القضية في دهاليزها أو على عتبتها «امرأة»، بدأت بصداع وتسيد التعليم لمشهد الرأي بجرعات زائدة، وانتهيت إلى أن المجتمع هو المنتج الرئيس لما يتصدر قضايا التعليم، تعليمنا ليس على ما يرام ولا غبار في ذلك، لكن مجتمعنا يقدم سلبياته أيضاً من نوافذ التعليم، لن يكون التعليم منقذاً طالما كان المجتمع متناقضاً أو مسؤولاً فقط عن التوزيع والإنتاج، تكون المعادلة هنا صعبة ومزعجة في آن واحد.
>