ارتسمت على ملامحي العديد من الأسئلة التي تولدت فور صعود الدكتور محمود شاكر سعيد منصة قاعة نادي أبها الأدبي، وتحولت دوائر الأسئلة إلى نوتة تعزف على أوتار القيم والمبادئ التي تنبت في عمل وتعامل بعض من تشرفنا وسعدنا بعطائهم، وإخلاصهم لهذا البلد، أشقاؤنا من الوطن العربي ومن ضمنهم ضيف أمسية نادي أبها الأدبي الدكتور محمود شاكر سعيد الذي عاد لعسير وأهلها بعد غياب عقدين من الزمن فكان كما عهدناه شمس مطر تنير لنا دروب العلم والمعرفة، وتوقد فينا ذكريات الأيام النقية.
استمتعت بالمحاضرة ومحتواها عن كيفية تراجع كتابا أو بحثا علميا ، واستمتعت بأسلوب الصلة والتواصل بين المحاضر والمتلقي، وكنت قد قرأت “رسائل الآباء إلى الأبناء في الأدب العربي لنفس المحاضر من قبل ، وحاولت الإلمام بالجوانب البحثية وأساليبها ومنهجيتها فاقتنيت كتابي الدكتور صالح العساف ” المدخل إلى البحث في العلوم السلوكية ” و ” دليل الباحث في العلوم السلوكية” ومن قبل قرأت كتاب الدكتور أحمد شلبي ” كيف تكتب بحثا أو رسالة علمية” فوجدت محتوى كتاب الدكتور محمود شاكر “كيف تراجع بحثا أو بحثا علميا” يغنيك عن كل هذا، ناهيك عن المحاضرة القيمة.
المداخلات أثرت المحاضرة وكنت قد أشرت إلى محدودية تدريب الباحث في جامعاتنا على كيفية كتابة البحث ” تصميم وخطوات إجرائية ” وكيفية المراجعة، وأشرت إلى أن أغلب المشرفين على الرسائل يتجاهلون طرائق البحث المتعددة ويجبرون الباحث ” الباحثة” على أسلوب” الاستبانة” حيث يتم تصميمها وتوزيعها على العينة ثم تسليمها للمختص في علم الإحصاء وغالبا هم أجانب ولوحات خدماتهم معلقة على بوابات الجامعات بل بعضهم فتحوامكاتبا أمام الجامعات كمراكز بحثية تقدم بحثا جاهزا بما فيه التحليل الاحصائي ،وطالبت بملاحقة هذه المراكز التي تعيق قدرات الباحث والباحثة وتسلم له عملا مسلوقا في دهاليز التقليدية دون ممارسة حقيقية على أرض الواقع ، وكانت معارضة الدكتور عبد الله ال ملهي منطقية جدا إذا كانت الاستبانة تتم وفق رؤيته بدقة ومصداقية ، ويتم التحليل الكمي والكيفي ، وتحليل التباين، والتوزيع البياني والتكراري، ومقياس النزعة، ولكن شيء من ذلك لا يتم.
أعود لشمس المطر الدكتور محمود شاكر الذي اشعل فينا قناديل الذكريات عن كل من مروا بنا هنا في وطن الخير والعطاء، وممن يحملون لنا الوفاء وحافظوا على المستقبل الجميل عندما كان في الماضي ، وساعدونا على تشييع الماضي السلبي ونصب سرادق العزاء فيه ومن ثم النهوض الجمعي الذي يربط نسيجنا العربي كوحدة واحدة، وأصبحنا نتطلع للخروج من النفق الضيق الذي فرضه علينا محور الشر من عاصمة الشيطان “عزازيل“، لعل شموع المستقبل تعيد للأمة العربية العزة والكرامة بالتفاؤل ما دام صهيل الحرف ذهبي السنا، ومادام لأمل في بصيص الضوء الخافت في أخر النفق.
شكرا نادي أبها الأدبي الذي يختار ضيوفه بعناية فائقة، وبتنوع فكري يضيء مقلة الشمس، أما الملاحظات السلبية ففي فمي ماء إلى حين.
الدكتور / صالح الحمادي>