في رواية “الباب الطارف” كتبت الأخت الغالية عبير العلي تفاصيل مرحلة جوهرية من التاريخ الاجتماعي لمدينة “أبها”، ورسمت علامات مفصلية لشرح التحولات الاجتماعية في تاريخ وقصة مدينة. تكتشف حين تقلب الصفحة الأخيرة من رواية الباب الطارف برهانا لما سبق أن قيل من قبل في أن هذه “الأبها” بقدر ما ساهمت في تشكيل الوعي المجتمعي الوطني بقدر ما ساهمت في الإساءة البالغة إلى صورته. تكتشف في أوراق “الباب الطارف” برهانا جديدا أن هذه “الأبها” كانت – قبل خمسين عاما – مختبر تجارب للآراء وللأفكار التي تصدر من مكان بعيد، كي تكون أبها هي “النبش” ومعمل التجربة. تكتشف- ولا حياء لدي لأن أقولها بكل صراحة ووضوح- إن أبها كانت حقل الأرانب الذي يتم فيه حقن الأنسولين وأمصال اللقاح وتجربة كل ما شاء المعمل البعيد جداً تجربته على هذه الأنساق الاجتماعية التي غيرت شكل مجتمع وبناء مدينة.
في رواية الباب الطارف تكتشف كل ما يلي: تكتشف أولا أن حتمية التحديث وبنية “الحداثة” هما من حولتا هذه القرى الأليفة إلى “مسخ” هلامي حين تحولت “أبها” إلى مدينة كاذبة ترفع صروحها الأسمنتية على أنقاض بيوت الطين. تكتشف أنها مدينة “مصطنعة” تريد في داخلها الحقيقي أن تتصرف كـ”قرية” بكل ما للقرية من الأعراف والتقاليد ومن الطقوس الخاصة. تكتشف في رواية “الباب الطارف” أن السرورية والإخوانية والجهادية لا أماكن لها أبداً في نسق اجتماعي موغل في الحب والتسامح قبل أن تصبح هذه “الأبها” مختبرا لتجربة التشدد والتطرف، وبلا استحياء سأقولها: مختبرا لتجربة الإقصاء والتصنيف والكراهية. تكتشف في رواية “الباب الطارف” أن هذه “الأبها” كانت ضحية مناخها الصيفي البارد الذي سمح لها أن تكون معسكرا مفتوحا لكل ندوات وبرامج ومخيمات الأفكار من كل حدب وصوب: من أقصى اليمين حتى يسار اليسار. تكتشف في الباب الطارف أن أبها وحدها، هي من تستقبل في خيمة واحدة ما يقرب من عشرين ألفا في محاضرة غسل للأدمغة، مثلما هي المدينة التي تحوي في شقة صغيرة خمسة أشخاص يحاولون إنقاذ ما تبقى من تاريخ هذه القرى التي تحولت إلى شكل هلامي في قصة مدينة.
بكل اختصار: تكتشف في رواية “الباب الطارف” أن أبها تعبت جدا من فتح أبوابها كمختبر للأرانب وتجربة المصل واللقاح أمام كل تجربة مستوردة.
علي الموسى>