فايع آل مشيرة عسيري
يبدو أن الأمير خالد الفيصل كان محقاً وهو يستأذن الساحل الغربي الساحر “بالدستور” كي يبحر بنا في أسراره العظيمة..فالساحل بكل مدنه الحالمة وثيقة حب وعربون صداقة لكل من يبحث عن وجه المدينة الساحلية الفاتنة التي تستلقي على البحر،وتغتسل من قرص الشمس..تلك المدينة الفاتنة التي يقع العابر في أسر هواها منذ النظرة الأولى.. أليس الساحل هو قانون العشق القديم الجديد الذي قادني ذات مساء أن أهجر معطفي الصوف،وأهرب من جبال السروات القارسة كي أحطُ رحالي على ساحل البحر،والحب الدافئ الذي لا يمكنك أن تكون معه إلا عاشقاً..وتستمر تداعيات تلك الأغنية كثيرة وهي ترسم خارطة العشق الذي يرافق رحلة كل عابرٍ أو زائرٍ للساحل بل وتمنحك “الدستور” هذا التراث الحجازي الذي يقف بك على أعتاب ثلاثة عقودٍ جمعت الفيصل بفنان العرب تعود للذاكرة اليوم؛لتسقط إحساسه المرهف إحساس السالكين حساً نفسياً يعبر تهامة بسواحلها وتضاريسها، التي يعود ليهرع لها بكل تفاصيلها،ويتماشى اللحن والإيقاع والكلمات والصوت مع تلك الرحلة ليأتي على لحن “المجرور” المشهور في الحجاز وهي واحدة من الخطوات القديمة المتجددة بتجدد المدن الساحلية التي تحاول كل مدينة الإستئثار بك..الدرب المدينة التي تعزف كل الدروب الخضراء،والشقيق ترافقك بروح الأشقاء،والحريضة تحرَّضك على الإبحار من شواطئها..البرك وهي الآسرة بين كل السواحل..سعيدة الصوالحة سعيدة بمقدمك إليها وتتصالح مع كل القادمين والقاطنين وتزرع السعادة دائماً..أستحضر القحمة وروايات المسافرين..وهل أجمل من حلي ؟ حين تسحرك ببساتينها وتدفق مائها العذب..! وبين كياد التي كادت أن تميت ضرائرها لحسنها والقوز الجميل عمق التي تهديك فرصة الغوص في كل جزء من رواية المدن الساحلية قبل أن تلقيك فجأةً في إحدى جلسات العمة حزيمة وتجد نفسك تحتسي قهوتك وإفطارك الشعبي الشهي تحت أسقف القصب وتعيد لك مزاجك المتعب فوق أسرَّة من حبال وطفي..قبل التوجه نحو عاصمة الساحل وركنها الثابت وحضارتها التي ماتزال تقصصُ تاريخها على وجه البحر الأحمر ميناء الإقتصاد عبر دول كانت هنا..وأنت في حضرة التجارة والسلع عليك أن تستعذب المسميات على طريقة “شاة بندر التجار” ونصعد كل السفن المبحرة كي نمهَّد لصعود تلك الأغنية في أرواحنا نوتة بنوتة وطرقاً بطرق..هنا لا بد للموج أن يهوّن على قلوبنا.. زفرة عميقة وهي تنزل شراعها وتصل المرسى وتودع رحلة البحر بالدموع والحب..أكتب مقالي في البندر الأم وأعلم بأنني سأغضبُ أصدقائي هناك لأنني لم أخبرهم بالمجيء أسترق لحظة بوحٍ حالم..وصمت هائم في أمواج البحر،وغروب الشمس وموعد قادم لشتاء آخر يتجدد مع كل طائر مهاجر يغني دستور يالساحل الغربي.
ومضة:
دستور يالساحل الغربي..!
>