من الطبيعي أن نعبر عن مشاعرنا تجاه من نحب بتلك القبلة الصادقة والمعبرة!
ومن الطبيعي أيضاً أن يقابل الطرف الآخر هذه القبلة بقبلة أخرى هي أشد عمقاً ووقعاً في النفس!
لكن المشهد هنا يختلف تماماً فالمحب يقبّل الحبيب بينما الحبيب مسجى بين كفن الموت وعلى ثرى المقبرة، فكيف يعي معاني تلك القبلة ؟؟!!
لكن هذه القبلة الباكية وقعت بالفعل في روح ذلك الطاهر المسجى وكأني به يقول:
(إنَ وليي الله وهو يتولى المتقين)
الأدهش من هذا أن هذه القبلة المؤلمة والباكية تمت أمام مرأى المئات من الخلق وفي منظر مهيب لايعرف بواطنه إلاّ من يعرف الإثنين معاً!
والإثنان هما صديقان ومتصادقان بإرث الشهامة وزعامة الصدق والوفاء حيث رحلا سوياً من عسير الموطن وذلك قبل نحو أربعين سنة كغيرهم من أبناء هذا الوطن وذلك للبحث عن وظيفة كيما يساهموا في خدمة هذا الوطن الخالد وقصدا مكة المكرمة حيث البيت الحرام والأرض المباركة ثم عملا سوياً مذ تلك الحقبة من الزمن في قطاع أمني واحد وإدارة أمنية واحدة ، وتقاسما لقمة العيش وكسرة الخبز سنين طويلة ثم بارك الله في رزقهما بذرية صالحة وناصحة.
ولقدأكرمني ربي بأن أشاطرهما لحظات رغد العيش وهما يستذكرا معي تلك الأيام المضنية وتلك المواقف المضحكة وبعضاً من المماحكات الأخوية التي تقع بينهما وكانا في ذلك من الشاكرين!
هذان الصديقان لم يعيشا بمعزل عن الناس بل كادا أن يغمرا المحيطين بهما بالسخاء وكرم العطاء ، وأصبحا مضرباً للمثل في هذا!
دعوني قليلاً أتحدث عن صاحب هذا الجسد المسجى وماأفضى من أعمال البر وأقول:
لم تعرف مكة المكرمة فيمن عمل وسكن بها من أبناء عسير مثل هذا الرجل في شهامته وسمو أخلاقه وطيب معشره ووقفاته المشرفة مع القاصي والداني ومن عرف وممن لايعرف، فهو سواء في ذلك!
لاينام قريراً إلا وقد أحاط خاصته بوصاياه المعبرة وكأنه يرسم لهم خارطة حياتهم بعد رحيله!
إنه رجل حمل في قلبه حب الناس والعفو والصفح والفهم الغائر لبواطن الأمور والجدية في العمل والأمانة فيه وكذا التسامح العطر لمن أساء له وكأنه له ولي حميم!
هذا المسجى وأنا أبكيه مذ أن فقدناه ظهر يوم الخميس ١٤٣٧/٩/١١ وكأن العالم بأسره قد تبع جنازته بل وكأن تلك الأسر اليتيمة وأصحاب الحاجة والمعوزين والمنقطعين والذين لايسألون الناس إلحافاً أفاقوا على فراقه وهم يأنون بكاءً على فراق نجم العطاء والوفاء وصديق المسكين!
اللهم أجبرنا في فراق الوالد الغالي أباتركي واجبر زوجته وابنائه وبناته الأوفياء وجميع خاصته!
وأما أنت ياأبامحمد!
الصديق الصادق والحميمي لتلك الروح الراحلة فأحسن الله عزائك وجبر مصابك وجعلنا ممن يقتدي بأرث محبتك ووفائك وجمال معشرك لصديقك الراحل..
إنالله وإناإليه راجعون
عبدالله آل قراش
مكة المكرمة
>