الدكتور _ صالح الحمادي
لم يدر بخلدي إن محادثتي لشقيقتي التي ربتني يوم الخميس 26 محرم 1438هـ هي أخر مكالمة، وهي خاتمة مشوار الحياة القصيرة التي تسربت هكذا كأنها عشية أو ضحاها، ولم أكن أتوقع أن زيارتي لها في مستشفى ارامكو مع الابن الغالي رمزي غرة صفر 1438هـ هي النظرة الأخيرة…. تلقيت خبر وفاتها صباح يوم الأحد 20 صفر من نجلها فيصل فانتابني شعور الحزن الحقيقي ، وقد واريت الثرى من قبل أختي فاطمة في نفس المدينة بعد استقرارها 65 عاما بالمنطقة الشرقية منها 16 عاما لم أشاهدها نهائيا.
حاول الابن البار “رمزي” تخفيف وطئ الصدمة وانتشالي من براثن اليأس، ولكن شريط الذكريات مع أم فيصل حفر الأوردة والشرايين، تذكرت حافة الضياع التي كنت على مشارفها فانتشلتني من براثن اليأس والفقر ودفعت بي لبصيص الضوء الخافت في أخر نفق الحياة، تذكرت أنها الأم والأخت والراعية لي حتى تجاوزت مرحلة الخطر، تذكرت سهرها وتعبها لكي أنجح وأكون أسم في قائمة الرجال، تذكرت مساندتها لي في أهم محطات عزلة الأقارب والجماعة ـ تذكرت أول فرحة لي في حياتي وهي مناسبات فرح قليلة للغاية عندما تحولت من طالب كسول إلى طالب متفوق في ثاني متوسط وشعرت أن قلبها سيطير فرحا بمنجزي الشخصي، تذكرت أول سفرة لي في حياتي للمنطقة الشرقية عند نجاحي من الكفاءة المتوسطة بتفوق قبل 48 عاما، تذكرت كل جزئيات الحياة وأطفالها وهي ترعاهم بعد وفاة الشيخ الكريم النبيل سعيد بن خميس الدوسري تاركا خلفه عدد كبير من الأسر والربع الذين يذهبون معه للحج ومخيمات البر على حسابه تعاني من الحزن بفقد غاليها، تذكرت حرصها على بناء شخصية أبنائها وبناتها فهم بالنسبة لها رأس المال المتبقي لها وقد كانوا عند حسن ظنها وأصبحت تفخر بهم وأنا فخور بهم أيضا.
رحلت المرأة العظيمة وعود الشوف مطعون
عليك سلام الله مني تحية …. ومن كل غيث صادق البرق والرعد
رحلت المرأة العظيمة وتركتني في فائت الفوت وإذا فات الفوت ما ينفع الصوت
إني مددتُ على هذا الفضاء يدي …… كيما تصـافـح أرواحـا تـودعـني
رحلت المرأة العظيمة التي كتبت أهم سطر في حياتي وحولت مساراتي وأنقذتني من الصعود إلى الهاوية ، وكأنها تقول لي العيش نوم والمنية يقظة….رحلت المرأة العظيمة ومن قبل السيدة الطاهرة فاطمة وتركاني في ارض محايدة بلا غيم ولا مطر، لملمت جروحي وغادرت الدمام أتعثر وأنهض، وأتكئ بقلبي على ولدي، وكأنني لن أعود أبدا … غادرت وتركت قلبي هناك مدفون فيه فاطمة وصالحة ….غادرت إلى باطل الحق بعد ما حملوني وزر موتهما، ولكن سيبقى قلبي مائدة لهما ….أعمارنا سفر من الأسفار لذا خشعت للمولى وأذعنت فالحكم لله أولا وأخيرا.>
طبعت على كدر وانت تريدها
صفوا من الاقذاء والاكدار
هذه هي الحياة … على أن لنا سلوة في الذكريات وبقايا من نحب
احسن الله عزاءكم وجبر مصابكم وجمعنا بمن نحب في جنات النعيم