موجب للإحباط والتشاؤم والشك تصدر السعوديين لشباك عمليات الانتحار في الأعمال الإرهابية داخل التنظيم المختل «داعش»، ليس جديداً هذا التصدر، لأن من يغسل أدمغتهم في الداخل يضع في مخطط العمل أن يكون السعودي المغادر في واجهة الأحداث، وخير من يتواجد في مشهد التفجير، حتى يعجب البراميل الكبيرة التي يتوقف دورها عند توزيع أدوار العمل وترتيب الأهداف، وتغيير تشكيلة اللعب بالدماء والأجساد، التصدر ملعوب بدقة، فالسعودي حين يذهب مناطق اللهب والغسيل النهائي يفجع بأن ما ذهب إليه لا علاقة له بما حقن به في الغسيل الابتدائي، قبل توديع البلاد والدخول في مهمة التسلل، فيبدأ في محاولة عابثة جنونية لترتيب ذاته وترميم عقله المنهك والتفتيش عن ثقب إبرة من أجل العودة للأهل المفجوعين بغيابه والمنهارين لفقدانه، وذاك لن يتم سوى بتمرير هذه الرغبة للمقربين المؤقتين في المستنقع الإرهابي لعلهم يقدمون له المساعدة، ويدلونه على أسرع طريقة هروب من الواقع الحالي المخزي، هذه الرغبة المستترة تصل للقياديين في التنظيم بفعل فن زراعة الدبابيس، فيدركون أنهم في معضلة تنحصر في خسارة سريعة لجسد مغسول من دون أن تتم الاستفادة القصوى منه، وبالتالي فالخسارة المجانية لهذا الجسد دليل على هشاشة التكتيك، وفرصة لتنامي التذمر، وانسحاب قائمة أخرى معه اقتنعت أن المكان ليس مكانها، وهي في طور التفتيش عن منفذ أو أمل من السماء للفكاك من هذه المحرقة.
ما الحل المناسب مع الراغبين في التسرب من التنظيم؟ ومنع عودتهم كمتحدثين دقيقين عنه وكاشفين لفضائحه المتواصلة، ومقدمين لأسرار ليس هناك من بارع وصادق في تقديمها سواهم، الحل في ذهنية قياديي التنظيم مكون من جزئين، أولهما نشر فريق الدبابيس بحرفية لمتابعة هؤلاء الخونة، والذين يشكلون خطراً رهيباً على التنظيم واستراتيجياته وأهدافه وعمله الإعلامي والدعائي، ومن ثم وضعهم في الجدول اليومي لعمليات الانتحار، وهو جدول يرسم أولوية الأشخاص التنفيذيين للعمليات وفق المعلومات الدقيقة عن أكثر الموجودين تذمراً من المحيط، ومن بدأت سوائل اليأس تنتشر في داخله.
تصفية السعوديين المتراجعين عن المضي في خطوات التنظيم والداخلين في منطقة أخرى من التفكير المزدوج لا تبهج قيادات التنظيم، إلا من خلال عمليات الانتحار، ففيها يضرب التنظيم عصفورين بحجر واحد، فينجح في إنهاء ما بين يديه من الأهداف المتنوعة كعصفور أول، ثم يستخدم الحطب الذي إن لم يحرقه سريعاً وبطريقة مغلفة بالانتصار والذكاء الوهميين سيسهم تجاهله أو إهماله في احتراق وفضح التنظيم على مراحل عاجلة. وياللخيبة فنحن الوحيدون الذين ننحر أبناءنا قبل أن ينحرهم الآخرون، نضخهم عاطفياً، نبيعهم الوهم، ننشد لهم عن الحور العين، ونسعى لإحراقهم بالتدريج، وقد يمارس آخرون من الجنسيات الأخرى ذات الدور، لكننا الأوائل في الحضور والقتال والانتحار والموت من دون أن نجرؤ على القول إن بيننا نماذج للشر مدمنة على التطرف والحقن، ومحفزة على الموت، وهي تماثل في العدد النماذج التي نؤمن جماهيرياً وشعبياً أنها نماذج الخير المربية على المثال والقدوة.
علي القاسمي>