صحيفة عسير: أحمد شيبان
أقامت اللجنة الإجتماعية بأحد رفيدة أمسية قصصية بعنوان :
” ليلة المبدعين في سماء القصة ”
والتي قدمها الدكتور محمد علي درع
وشارك فيها البروفيسور محمد المدخلي
والأستاذ محمد مانع الشهري ..
والأستاذ فايع آل مشيـرة عسيري
حيث بدأ الأمسية مدير التنمية الإجتماعية الأستاذ عبدالرحمن بن مقبل بكلمة ترحيبية بفرسان الأمسية ومقدم الأمسية ومقدماً شكره لكلل الحاضرين..
ثم سافر مدير الأمسية القصصية الدكتور محمد علي درع نحو فضاءات القصة قائلاً :
لست أدري كيف أستطيع أن أحمّل هذا اللسان العاجز عبئاً لم يتحمل مثله قط إذ أضع نفسي واسطة العقد بين عمالقة قد حفوا بالبهجة والبهاء , والهيبة والإبداع وجلال الأدب وأهبة الفضل ثم أطالبه أن يبين في هذه الليلة عما يجيش في صدري ويحاك في خاطري ويعتلج بين جوانحي من معان :
إنها ليلة بهجة , ليلة طلقة , ليلة لطيفة مباركة , ليلة غرّاء فرعاء حسناء معطرة بالسرد المتلألأ في ظلمة الليل الدافئ الساهي , توصوصت عيون نجومها , وتآلقت زيقة مصابيحها وتسابقت بنات نعش في دجاها تتناجى وكأنها في حلقة سمر في مهرجان السماء تجتمع وتفترق من محايل الشماء , من جازان الغيداء , من النماص الحسناء إلى رفيدة الغناء كأنهن عذارى مع عذارى جللتها الظلمات الحنادس .
قد عزف على قيثارتها الشادي = وتغنى بعشقها القمر الساري . ليلتناالمنوطة بالتناد .
في هذا المساء عفت الرسوم , وتراقصت النجوم , وتلاحمت الغيوم .
في هذا المساء تناغمت النغوم , وتبارت النظوم , وتباهت العلوم .
فعانقت الثريا الثرى = وصارت الأرض أذن السماء .
أيها الغيث حيّ أهلاً = بمغداك وعند السُرى وحين تؤوب .
في هذا المساء : البهو يملؤه البهاء = أيعمى العاَلمون عن الضيا ؟ .
كنت من بين قومي المصطفى = للترحيب بضيفهم المجتبى
فورب البيت الملبى = لقد فزت بالقدح المعلى
رحبوا معي جميعاً بأقمار الدجى الزاهية وشموس الضحى الساطعة ونسمات الليل الصافية في ليلة الإبداع والمبدعين عبر سماء القصة , وهم :
سعادة البرفيسور الأستاذ الدكتور / محمد بن منصور بن عبد الله الربيعي المدخلي
سعادة الأستاذ / محمد بن علي بن مانع الشهري
سعادة الأستاذ / فايع بن علي بن محمد آل مشيرة عسيري
وبدأ في عرض سيرة كل قاص في الأمسية ..
وقبل البدء في قصص المبدعين عرض الدكتور محمد علي درع القصة عرضاً جذاباً آسراً
تناول تاريخها القديم وإنها مرتبطة بتجارب المبدع والصراعات والأزمات والتطلعات والتفاعل مع الآخرين المجتمع وأن القصة حكاية أحداث مستقاة منن التاريخ أو الواقع أو الخيال تقوم بها شخصيات مرسومة بتصوير دقيق يتعمق القاص في تقصيها والنظر إليها من جوانب متعددة بإدواته التعبيرية والتصويرية وإتجاهاته الفنية والقصة من أروع فنون الأدب من رسم الشخوص أو من حيث البناء والتصميم ..إنها خلقٌ وضبطٌ وإحكام ليست خَلَقاً مباحاً يغدو فيه ويروح كل من اقتدر على كتابة السرد القصصي بل لابد للقاص من تسلح بأدوات كثيرة مردها إلى التعمق في الحياة الإنسانية والقاص لا ينقل الواقع المحسوس نقلاً مطابقاً تماما للمطابقة وإنما يحذف ويضيف حسب إرادته الفنية ورؤيته الإبداعية..
ويتغلغل وراء هذا الواقع من حقائق نفسية وإنسانية ..
ثم كانت الأمسية على ثلاث جولات قرأ الدكتور المدخلي قصصه..
” مزهرة والجرين ووطن السلام والزائرة والجليلة والصديق وفوق رأسي يا وطن وتحية الوطن الكبير..”
وقرأ الأستاذ محمد مانع الشهري
قصصه..
” استحقاق نوبل وعريش والا نفسي
ومجموعة نصوص ” ق.ق.ج “
وقرأ الأستاذ فايع آل مشيرة عسيري
قصصه..
” غربة حليم و يحكى أن وخلف الظلام صنعاء ومفرق الوادي ومجموعة نصوص ” ق. ق. ج “
وأستعرض مقدم الأمسية الدكتور محمد علي درع فلسفة كل قاص للقصة..
فكانت البداية مع رائد القصة الواقعية في الجنوب الدكتور محمد المدخلي الذي تحدث عن القصة قائلاً :
” القصة لحظة حادثة أو ماضية إقتناص فكرة قلم ورقه حبكة فنية تقمص شخصية الحدث ومعايشة الفكره مع تكتيك لغوي مكثف حسب نوعية القصة وإبراز معالمها وأهدافها حتى تتضح للقارئ “
وتحدث ساحر القصة الأستاذ محمد مانع عن فلسفته إيزاء القصة قائلاً :
” في اعتقادي الشخصي أن القصة القصيرة والقصيرة جداً بمثابة (الكون المختزل في كتاب) إنها أم الإبداع وسيدته، أرضعت أشهر الكتاب سموها و سخريتها
لماذا أكتب القصة القصيرة؟
لأنني لن أستطيع تصفيف داخلي إلا بلمستها الغريبة ..!
أقول غريبة …
لأنني أجد كفي تنطلق بين حقولها وكأنها تقبض عليها وتسير بي في الأرجاء
أجدها تحلق بي كما أنني اكتشفها تصعد بي إلى ذاتي في أحيان كثيرة، وتعرفني على حالي …..
كأنها محمد وأنا القصة ”
وكان الختام مع عرَّاب القصة الجنوبية الأستاذ فايع آل مشيرة عسيري الذي تحدث عن فلسفته تجاه القصة قائلاً :
” القصة القصيرة بنوعيها ومسمياتها لحظة مخاض موغل في سبر ارواح وأجساد الشخوص وهي مرواغة المألوف والتمرد اللذيذ وبارقة الخيال الأولىى ..القصة هي ذاك الخيط الرفيع الذي يناوش الروح والبوح فيحدث فينا دهشة الإبداع ولذَّة الحكاية ..القصة حاجة نفسية ملحَّة
القصة معنا وفينا ومنا فحياتنا كلها قصة ..
والقصة القصيرة جداً ” ق. ق. ج “
أشبه بالعطر الفرنسي المركَّـز
فتكثيف الصورة مهارة تتضح جلياً في عنوان القصة..”
وفي ختام الأمسية قدَّم الدكتور محمد علي درع قراءة نقدية تذوقية لنصوص المبدعين في الأمسية قائلاً :
كان مساء يختلف عن كل المساءات مساء زاهياً أنيقاً توهج بعبق الإبداع , مساء صاف كرقة النسيم , ناعم كملمس الماء ضاح كطلعة الشمس .. لله درك من ليلة رفافة على الحب خبأت في قلبك سر الربيع .
حقا كانت رحلة ممتعة وماتعة مع نصوصهم السردية والتي كشفت عن نشيج الآلام , وتباريح الشوق , ورقة المناجاة وشدةالمعاناة شدتني إلى طفولتي البرئية وذكرياتي الغابرة وزماني الفاني وواقعي المرير , وجدت فيها نفحة من أنفاسي , ونبضة من قلبي وومضة من وجداني .
ودعتني إلى قراءة مكتوبهم السردي قراءة متأنية طويلة الأناة عند كل لفظ ومعنى كأني أقلّبها بعقلي وأزنها بقلبي , وأجسها جساً ببصري وببصيرتي , وكأني أريد أن أتحسسها بيدي ثم أتذوقها تذوقاً بعقلي وقلبي وبصيرتي , فكان مما قرأت للدكتور محمد المدخلي :
“وقالت الفتاة – الصورة والمعاناة – استفاقة – الباب الخشبي –قصة أخيرة – حلم الليالي الفائتة – الباقة البيضاء – اللوحات الثلاث – نقوش على وجه القرية – الوصية – عرس القرية – قناديل الشوق – السراب والعودة – ليلة شتاء – خيمة محبة – أضواء المدينة – الروابي الخضر –أنات البئر –صور من القرية – نشيد السنابل –الحكاية والليل الطويل – مزهرة – الجرين “
وقرأت للأستاذ محمد الشهري ” موجة أنثوية – البهو – لقاء – زوجتان – مسمار – غرق – رفض – ذكرى – مباسم الشبابيك –أصابعه العازفة – ثمن – تيه – كف – خلاصة- هرب – وداع– بوح “
وقرأت للأستاذ فايع آل مشيرة ” كرسي أكاديمي– غربة حليم – وغدا تمطر السماء – أبي ما زلت طفلاً – طفولة الشتاء – أنشودة المطر – شاطئ الغربان – صيف قريتي – صوت نجران – ليلة في عسير – الورقة الأخيرة – حكاية جدتي – يحكى أن – وخلف الظلام صنعاء – على مفرق الوادي – تغريدة – جدتي – شريط “
فدعوني أميط اللثام عن أخفى أسرارهم , وأغمض سرائرهم إذ طوّع القصاص الثلاثة معاييرهم الفنية , ووظفوا وسائلهم التعبيرية والتصويرية , فكان لكل قاص رسالة قدمها وتجربة رسمها وبصمة تفرد بها فجاءت لوحاتهم تامة وبديعة ناطقة استنطقت السامعين لجل الأحداث والتجارب وأشركتهم المعاناة والآلام حيناً والدف والسكون حيناً آخر .
ازدانت نصوصهم السردية بدفقاتهم العاطفية البعيدة عن التكلف والانفعال , واحتفظت بطابع العفوية والتلقائية , واتسمت بطابع الحركة والحيوية والإثارة .
تجلى لنا الطابع المادي والحسي ولعل مرد ذلك إلى وطأة الواقع واستشعارهم الآلام النفسية والجسدية التي جعلتهم شديدي الارتباط بمعطياتهم الحسية . لامست نصوصهم السردية الأحداث والحوادث فعالجت قضايا الأمة .
ظهر جلياً وصف الشخصيات في القصة القصيرة واستغنائهم عن أوصافهم وتحديد ملامحهم الفزيولوجية في (( ق ق ج )) وعياً منهم بضيق مجالها في القصة القصيرة جدا , واكتفوا بالإشارة والتلميح والضمائر .
ساهم عنصرا الزمان والمكان في دفع الأحداث وتساوقها وإثارتها وتناميها تصاعديا أو تنازلياً فجاءت دلالة المكان بصمتها المعهود وسكونها المطبق وحزنها العميم مثيرة لآلامهم وشدة معاناتهم .
وأوحت دلالة الزمان بالانكماش والانكفاء على الذات , وحملت شحنات الحزن والانكسار ولذا منحوا القارئ والسامع هامشاً من الحرية في القدرة على بناء النص عن طريق كسر المألوف .
وظفوا الجمل وخاصة الفعلية ما ساعد على تحريك الحدث وتسريعه وتراكبه وتتابعه , وحضرت سيميائية العنوان وعتبات النص فأفضت إلى قيم جمالية وأوحت بدلالات عميقة لفهم النص .
وتميز الإيقاع القصصي بالسرعة والإيجاز والاختصار والارتكان إلى الضمائر والحذف من أجل تنشيط ذاكرة السامع والمتلقي , واستحضار خياله ولذا جاءت نصوصهم مفتوحة الآفاق .
وكانت قصصهم بكراً عذارى رائعة جاءت على خير ما يراد منهم من :
سلاسة في الأسلوب وسيولة في النفس القصصي وعمق في الفكرة وسبك في العبارة ووضوح في الرؤية وافتنان في رسم الصورة وكل ذلك نتيجة ثقافة واسعة وقراءة نافذة ووعي ناضج . دمتم قمما شامخة وأقلاماً سيالة وكواكب سيارة في أفلاك القلوب ..
نالت إستحسان المبدعين واستمتع بها الحاضرون ..وكانت الأمسية مليئة بالمداخلات التي أثرت الأمسية..
وبعد ذلك قدَّم مدير اللجنة الإجتماعية شهادات شكر وتقدير ودروع تذكارية لكل المبدعين في الأمسية القصصية الجميلة .
>