للدكتور / محمد بن علي بن درع
مساء بهيج لطيف طلق معطر بعبق التاريخ , يزف عروسنا إلى مخدعها , عروسنا الليلة عروس ولا كل عروس , ظبية ولا كل ظبية , فتنة ولا كل فتنة , حضارة ولا كل حضارة , إرث ولا كل إرث تاريخ ولا كل تاريخ , قصيدة ولا كل القصائد ( عروسنا الليلة أحد رفيدة )
موطني أحد رفيدة , يا لحن الخلود , ولؤلؤة الأعماق السماوية , يا معاني الشعر الإلهي , لله درك رفافة على الحب كأنك خلقت في جنة الحب .
على مدخلها العبق يلتقي الجمال المنسق بالجمال الفطري , طبيعة وإنسانا , جمال يفتح النفوس ويؤلقها , ويسلك في عقد جمال الوجود لآلئه ودرره , تعانقت صورة الجمال الأرضي مع صورة الجمال الكوني , فعانق الأفق وصافح زرقة السماء , يحيي محبيه بتحية السلام , سلام الدنيا كله الذي حلّ في كل أرجائها .
فجر الهوى من ثغرها البسّام *** متطايرُ اللمحات فوق ظلامي
حسناءُ صوّرها الهوى في صورة *** كادت تعيد عبادة الأصنام
في منظر الأقمار ألمح وجهها *** وتحس في لمس النسيم غرامي
ولكهرباء الحب من لحظاتها *** سيّالُها المتدافعُ المترامي
ينساب في مجرى دمي متلهبا *** فكأنه تيار بحر ضرام
يا كهرباءَ الحب رفقا إنما *** هذي الأنابيبُ الضّعافُ عظامي
رفيدة الحسناء نهارها على ما تشاؤه يطلع بالصباح عليها ربيعاً وينقلب في الظهيرة شتاء ويحول في الصيف خريفاً , ويرجع في العشية صيفاً , قد تعلقت شمسها بغيوم سحبها .
هب النسيم الراكد يجري فجعل أشجارها الناضرة الممتلئة بالأوراق يصفق بعضها لبعض وكأنها مكتبة يتصفحها الهواء , أو عروس الطبيعة دخلت إلى قصرها .
وتراءت لعيني واحة غناء الشعف الأخضر , خميلة يانعة فارعة مونقة ملهمة كثيفة زاحفة غشّت وجه الأرض وزحمت منافذها بالزينة الحارسة .
وعند مَرْبع الثدي استوقفتني ذرتها الباسقة وسنابلها اليافعة فكانت لوحة كونية ماتعة وصورة فنية لا تفارق خيالي أبدا , حينئذ هدهد النسيم معاطفي , وعزفت شقشقة العصافير سيمفونيتها العذبة موسيقا الترحاب بي في تمازج مع الطبيعة لا يوصف .
وقفت على واديها المديد بيشة قد عقد حلف الفضول مع أخويه واد الجوف وواد الصفق فتعاونوا وتآخوا وتدافعت مياههم الرقراقة في مسيلها تنساب بالحياة والحيوية والنفع فكانت أشهى وروداً من لمى الحسناء , تركت على معاطفها خضرة ونضرة وبرداً وسلاماً , وغدت تحف بها الغصون كأنها هدب يحف بمقلة زرقاء .
يا ظبية الوادي الذي نبت الهوى *** بثراه بين الزهر والريحان
واديك من طول التدلل قد بدا *** شبه القدود به على الأغصان
فيما كان الشفق ينثر حمرته الشفافة الشاعرية على مدارج سماء ضمك وشكر وجبل القهر وقفت عند جبلها الرابض في أحضان جرش مخلاف رفيدة وسلة غذائها , حمومة التراث والتاريخ والنقوش فكان وقوراً أرعن طماح الذؤابة باذخاً قد طاول أعنان السماء بغارب , وسد مهب الريح عن كل وجهة , تدثرت قممه بزرفات خضرة داكنة , واتشحت سفوحه بسمرات باسقة , أصخت إليه فحدثني ليل السرى بالعجائب …
وغابت الشمس وأنفاسها الفياضة عن كبد السماء مودعة رفيدة قراها وأهلها , وبقي لفحة من حرّها ومن حرّ أنفاس الذين تشرق عليهم , وأقبلت شحاريها القمرية الصداحة المسبحة ملائكة الطبيعة على المناغاة , وأقبل العشاق ملائكة الناس على الفكر والنجوى , وأقبل الشعراء من وراء أولئك ينظمون الإبداع فامتزجت ألحان الملائكة بأنغام الطيور وآهات العشاق فكانت أحد رفيدة وقراها مسكرة للعاشقين ومستهام المبدعين .
مرت النسمات بليلة حالمة ساحاتها الهضب الواسع0 كأنها قطع رقيقة تناثرت في الهواء من غمامة ممزقة , ولبس الكون تاجه العظيم فأشرق عليه القمر الزاهي الرفاف كأنه اغتسل وخرج من البحر
وتتبعت الجمال المنظور فتبدت لنا درة المصايف الحبلة الهيفاء قد أتم خالقها جمالها فكانت فتنة إذا نظرت إليك نظرتها الفاترة فإنما تقول لقلبك إذا لم تأت إليّ فأنا آتية إليك .
تشعر أن في دمها شيئاً لا يوصف ولا يسمى ولكنه يجذب ويفتن حتى ليظنها كل من حادثها أنها تحبه وما بها إلا أنها تفتنه . تأخذك أخذ السحر لأن عطر قلبها ينفذ إلى قلبك من الهواء فإذا تنفست أمامها فقد عشقتها , تراها ساكنة وادعة أمام عينيك ولكن قلبي يشعر أنها تهتز فيه وتضطرب فلا يزال قلقاً نافراً يتململ فلا براءة لك منها ولا مخرج لك من حبها قد ملأت قلبي حباً وعشقاً يكاد يملأ سماء عقب سماء ويغوص في أرض تلو أرض ….
ولاحت لي قريتي { آل شرهان } السابحة في لجج الخضرة اليانعة فلامس روحي روحها كأنها ألفاظ حب رقيقة , والنسيم حولها كثوب الحسناء على الحسناء , كأنها قطعة من سماء الليل فيها دارة القمر المطل من عليائه قد أنار أحد رفيدة كلها وهادها ونجادها وسهلها ووعرها وعامرها وغامرها وحاضرها وباديها , وفيها نثرة من النجوم الزهر المتبعثرة . تدلت عليها قلائد المصابيح كأنها لؤلؤ تخلّق في السماء لا في البحر فجاء من النور لا من الدرّ .
سقتك غوادي المزن في المنتأى الذي *** يسحّ ويستمري السماكين بالوبل
الناس في قريتي بيض وجوههم , كريمة أحسابهم , زكية أرواحهم , نبيلة أخلاقهم هم كالغيث في مهامة البيداء العطشى , قد مُزجوا بحلاوة الإيمان الفطري , وتغذت قلوبهم الوضيئة بنور السماء فلا تبرح ناضرة ما بقيت في السماء لمعة نور كأنهم أرواح النهار ضياء , نشروا على خيوط القمر ليلا من ليالي الجمال , كأنهم السعادة المقبلة , قد ارتوت نفوسنا من حديثهم وخلقوا فينا الحب والخير , فتهيأ لهم في القلوب مودة وقبولاً , سرت بأخبارهم الركبان وتعاقبت عليها الألحان ….
آه لله جمالك الفتان , رفيدة ميراث الإنسانية وهدية التاريخ , وراية السلام الإلهية البيضاء , أصبحت يا رفيدة أغنية عذبة في فم الشاعر ينشدها وهو بين ظهرانيها , وأنشودة ساحرة على لسانه يرددها وهو مغترب عنها .
حنانيك يا رفيدة سترفرف الأحلام العذبة في سمائك , وستشدو بأعذب الألحان بلابلاك , وستزهر بالمنى حلو السنابل , ولسوف تنساب في رياضك أعذب الجداول …
النار بالنار لا تُطفأ إذا اتصلت *** فكيف أصنع في قلبي لينساك ؟؟؟؟>