شكت عسير فتداعى لها الوطن

‏
‏
‏أرخى الحزن سدوله وأسبل أوجاعه على ابها ،وهي تودع زهرة من خيرة ابناءها فى حادث مأساوي اعاد صياغة الفقد وتعريفه ،لتكون ابها ساحته وأبناءها شهدائه وشهوده،والوطن باكمله يتداعى حزنا لها ولاهلها ومصابِهم الجلل .
‏منصور بن مقرن ذلك الامير الشاب الذي (أنورت سودة عسير بطلعته) ،ملك القلوب بتواضعه ،وما زالت سيرته تذكر فتشكر ،كان احد ركاب الطائرة ،وشاهدها الاول وشهيدها المؤمل ،رفاقه الابرار الشهداء الذين كانوا معه ،كان كل واحد منهم يمثل فصلا من فصول تلك القصة ،قضوا نحبهم شهداء فداء للوطن .
‏هذا الفقد كان نوعيا فى تعدد شخوصه ،فالجميع كان يجمعهم مركب مشترك ومصير واحد ،كانوا خارطة وطن ،بشواهده وشواهقه وتنوعه وتوزعه ،كانوا يمثلون اجهزة الدولة كل فى مجاله واختصاصه ،تعددت مهامهم وظل الوطن واحدا فى قلوبهم وتوجهاتهم .
‏كان الفقد أليما ومفزعا لانه جسد الراعي والرعية وهم يمضون سويا فى مسيرة بناء وفداء لوطن شيدته دماء آباء وأجداد تعاهدوا غراسه ،ولذنا وتلذذنا بدياره، من الشرق الى الغرب ومن الشمال الى الجنوب .
‏حادث الطائرة لم يكن مجرد قصة فقد ،او قصيدة رثاء ،او تظاهرة عزاء ،كان شعورا واحدا بكى فيها الامير والمواطن والوالد والام ،الحزن كان لغة مشتركة ترجمتها العيون وعصرت القلوب المكلومة بصدمة الموت ،وفرحة لبقاء الوطن شامخا ولّادا لرجال أفذاذ سيكونون على الطريق يقتفون خطى الأوائل الذين بنوا وأسسوا هذا الكيان الذي نرفل في نعيم خيراته ونزهو بجميل منجزاته ونحياه تاريخا وحاضرا ومستقبلا .
‏حادث الطائرة كان ملحمة صبر وعزاء ،كان موتة عز وشرف واباء .
‏فى السماء كانت نهاية رحلة ،وفى الارض بداية حياة ،رحلة دنيا، الجميع يعلم انها مهما طالت فمآلها الموت كمحطة اجبارية اخيرة لابد للجميع ان يُدمغ بختم آمره ،واما البداية فهي حياة خالدة فى قلوب شهود فى الارض ،ومآل منتظر عند غفور رزّاق فى السماء .
‏بكت عسير ابناءها ،وبكاهم الوطن، حسبهم من الشرف انهم نالوه فى السماء ،وما زال ذكرهم فى الارض يحكي قصة ولاء ،وما زالت عسير تفخر انها كانت ومازالت وستظل ساحة عز وفداء وكبرياء .
‏منصور بن مقرن قصة فقد رافقه فيها رجال كرام
‏حسبنا منهم انهم رموز عز وآباء، وحسبهم منا انهم سيظلون فى ذاكرتنا الاخيار ،احياء فى قلوبنا،وعند ربهم نرجو لهم تلك الحياة التى بشر بها شهداءه الابرار .
‏
‏علي المطوع .>