“الكتابة والنص”

بقلم أ.ماجدأحمد ال مشافي:

يعود الفضل في اختراع الكتابة إلى السومريين الذين قطنوا حاضرة بلاد الرافدين قبل ٥٠٠٠عام ق.م ، ثم أخذت الكتابة في التطور حتى أصبحت على ماهي عليه الآن ، فالكتابة هي إحدى وسائل التواصل مع الآخر ، وهي تجسيد للمنطوق ومنطوق للأفكار المختزلة في الذاكرة البشرية ، هذا وتعد الكتابة فعل إنساني تتآزر خلاله العديد من العمليات الذهنية والعصبية والنفسية ، وهي في الوقت ذاته نشاط بدني يقوم به الإنسان كمرحلة من مراحل العمليات السابقة لفعل الكتابة ، لذا فالكتابة فعل والنص تجسيد لهذا الفعل وتمثيل له ، ومن هنا يبرز مفهوم النص كتنصيص للمكتوب وإبراز له ، فالنص ينصنص الكتابة ويبرزها ، والكتابة هي الأم وهي بهذه الصفة تكتسي البعد الأنثوي الذي يتجلى في عملية الولادة ، فالكتابة ولاَّدة، ولاَّدة للنص الذي تجسدت عبره ، وولاَّدة للفكرة التي تختمر في ذهن كاتبها ،هذا من جهة ومن جهة أخرى فالكتابة في حد ذاتها إغراء ، وهذه السمة هي إحدى السمات الأنثوية التي تنماز بها الأنثى وتتمايز عن الذكر ، وهذا يدفعنا إلى القول بأننا إذا افترضنا أن الكتابة أنثى تلبست صفة الولادة والإغراء فالنص في جنسه الجندري هو ذكوري بالفعل . فحين تلامس الكتابة جنينها النصي بالأفعال الأمومية من عناية واهتمام يكبر هذا النص فيصبح نصوصًا وبالتالي يكتسب صفة الإنتاج فيصبح منتجًا له صفات الذكورية المنتجة ، وحين يهمل النص يظل عقيمًا إلى أن يموت . فموت النص هو بالضرورة موتٌ للكتابة ، وهذا التلازم القائم بينهما ممهور بالنشاط الإنساني للكاتب لذا يرى الكثير من الكتاب والشعراء في نصوصهم المكتوبة أبناءً لهم ، هذه البنوة تولدت عن طريق الكتابة ( الأم ) والحاضنة لهذا الإبن الذي تبناه الكاتب في معتقده ، وهذه القضية نجدها حاضرة في التراث العربي القديم، فالجاحظ على سبيل المثال يرى أن تنافر الألفاظ في النص كأبناء العلات ، وهذا التشبيه الجاحظي للألفاظ بالأبناء يؤكد ذكورية النص مقابل أنثوية الكتابة . وتأكيدًا لذلك ، نلحظ أن التاريخ الكتابي بشموليته واتساعه يزخر بنسبٍ ذكورية كاتبة ومتفوقة بمراحل على النسب الأنثوية فيه ، ولعل شهوة الأنثى المتخلقة في جسد الكتابة هي العنصر الأكثر جذباً لمعشر الرجال الكتاب ، فشهوة الكتابة واشتهائها حاضرة في أذهان الكتاب الذكور أكثر من الإناث ، وهو مايجعل من الكتابة جنساً أنثوياً جسدها نص يحمل جيناتٍ ذات أبعاد ذكورية محضة .>

شاهد أيضاً

الشاعر فلاح بن محمد في لقاء خاص لـ” عسير ” : منذ تواجدي بالساحة الشعرية حققت ما أريد في مجال الشعر وجمهوري الداعم الأول لي

صحيفة عسير – أجرى اللقاء – حنيف  بن مناحي آل ثعيل : الشِّعر فكرة ومعنى …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com