عن السينما ..

ماجـد مطر الجعيد

من عادتي ألا أتكلم كثيرا وأفضل الصمت وخصوصا في مواضيع هي أقرب لما تسمى بحديث الساعة، لكني وجدت أن الكلام حول هذا الموضوع يمس أخلاق الناس والقيم الفاضلة مما قد ينتج عنه فسادا في المعاملة وفي الطبع.
البعض يُصرّ على أن يكون داخل التأطير ويغرق في سطحية التناول.

إنها السينما بمفهومها الشامل وأعني بذلك الفن السينمائي وتوابعه من كتابة نص إلى التمثيل إلى الإخراج إلى الشاشة سواء كانت عملاقة أم صغيرة إلى المشاهد الذي يتلقف كل شيء دون فرز لمكونات هذا العمل أو فهم وإدراك لما يجري من تمريرات هي في ظاهرها طبيعية وفي أصلها شاذة ومتطرفة.

يقول د. رضا أصلان، وهو باحث أمريكي مختص بمقارنة الأديان مع تحفظي على بقية آرائه
في أمريكا، تحولنا من أغلبية ساحقة كانت ضد الشذوذ الجنسي، إلى أغلبية ساحقة مؤيدة للشذوذ الجنسي في بضع سنين. ما الذي غير عقول الناس؟ مما غيرهم: هو مشاهدتهم للشواذ في التلفاز، كما تعلمون، بصورة عادية وطبيعية.

كثرة تكرار المشاهد يجعلك تألفها حتى يخيل إليك أن الجميع لا ينكرها وتتفتح أمامك شيئا فشيئا مغاليق كانت قد أوصدت بفضل قيمك ومبادئك التي نشأت عليها فتتحول من ضد إلى مع وتتبنى هذه القضية وتصبح من المدافعين عنها.
إن الدهشة التي تحفز عقلك ليستيقظ من الانبهار بنمط الحياة الغربية القائم على تسليع كل شيء، هذه المادية التي فككت كيان الأسرة والروابط العائلية، يلغيها الإدمان على المشاهدة.

لا أقصد فقط قاعات السينما التي لها تذاكر وتكون تحت إشراف فهذه تدخل في الترفيه والخوف منها يسير، إنما الخوف على ذلك المشاهد الذي يسبح وحيدا في فضاءها المظلم فلا يعي دلالاتها ومعانيها الخفية، ومع ذلك ينسج أحلامه ومُثُله العُليا على هذه الفقاعة.

المتابع الجيد للأفلام والمسلسلات يلاحظ التأصيل لمبدأ: الشذوذ، الخيانة، السرقة، الكذب، الاتهام وهلم جرا، وكأنها طبيعية وعادية حتى لو كانت تروج لانتكاس الفطرة أن الرجل يميل للرجل والمرأة تميل للمرأة أو الخيانة المهم ما دامت بالتراضي بين الطرفين فليس هناك داع لتجريمها، وأغلب العلاقات المحرمة اليوم عند الغربيين خارج نطاق الزواج نشأت في بدايتها على أنها علاقة عادية كما صورتها الأفلام ذهنيا، غير أن الواقع مختلف تماما ويخضع لعمليات تمزيق.

أما الاتهام وإظهار المسلم العربي أو الذي ينحدر من أصول عربية في السينما الغربية على هيئة إرهابي فلا تسأل ولا تعجب، لا يكاد يمر فيلم إلا وفيه مقطع يتعرض إليه بالاتهام الباطل بشكل مقصود ومدبر، كما لا يفوتك أيها القارئ أن الأفلام العربية أيضا ينالها نصيب فهي تظهر الخليجي بصفة عامة بمظهر لا يليق وكأنه ماكينة نقود ولا يحسن حتى حسابها وقد ساهم في إبراز هذه النظرة بعض السذج من أبناء جلدتنا.

المشاهد العربي للأفلام الأجنبية أيا كانت الأوروبية أو التركية وحتى الهندية منها يرى فكرة التكريس للبطولة وتجميل القبح الذي يعتري تاريخهم وحاضرهم، والذي يعتقد بديموقراطية الهند شخص واهم فالكراهية الهندوسية ضد المسلمين واضحة المعالم حتى من المنتمون إلى الحزب الحاكم وانظر للقضية الكشميرية وكيف يتناولونها في أفلامهم ولا تنسى كذلك جارتهم باكستان.

الذي يبعث على التفاؤل حقا هو وجود شباب وطني مبدع يفخرون بلغتنا العربية، ويبتكرون أفلاما من وحي ثقافتنا وتاريخنا الزاخر بشخصيات فريدة، ومن تعاليم ديننا السمحة من بر وإحسان وصدق وأمانة وشهامة، ليظهروا للعالم أجمع أن هذا هو الوجه الحقيقي لنا ولا داعي لمزيد من الأقنعة.
ثم لسنا بمعزل عن العالم حتى يقال لقد عاد السعوديون لطبيعتهم وهل كنا يا هذا في محمية مهددة بالانقراض؟! نفس الأفلام التي نتابعها في منازلنا أصبحت مشاهدتها في شاشات عملاقة!

أخيرا أتمثل بقول د. عبدالعزيز العُمَري:
ولع غريب بالتصنيف، أكره هذا المسلك.
أرجوكم، لا تضعوني في حزمة ثم تطلقون أحكامكم الغبية.
أنا لا أنتمي لمنظومة أقدس شعارها وأتكلم باسمها.
أنا أهيم وحيدًا؛ فإن سركم قولي فحمده لي، وإن ساءكم فوزره عليّ وحدي.
هل تفهمون؟

 >

شاهد أيضاً

الكاتبة ” سرَّاء آل رويجح ” في حوار خاص لـ” عسير ” : الجمر أيقونة ألم … والرقص أيقونة نجاح

صحيفة عسير – لقاء خاص : تمتلك الكاتبة سرَّاء عبدالوهاب فايز آل رويجح ، قدرات …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com