يحتاج الحكم على قياس فوارق التنمية في أي مكان، بين زمنين، إلى غياب العين عن المكان لفترة، ثم إعادة اكتشافه بعد زمن لملاحظة الفرق. وأنا اليوم أكتب تجربتي الشخصية مع غياب الصورة البصرية، ثم عودتها بعد زمن للمكان ذاته، مع مدينة سعودية صغيرة مثل “محائل” عسير، وهنا أكتبها لمجرد القياس والعبرة، وأرجو مرة أخرى، ألا يفهم الأهل هناك، أنني “أطبطب” على كل شيء، أو يظنون أنني أرفع ما تبقى من طلباتهم إلى “الأرشيف”، وكأنّ مجرد مقال شارد، يقول إنهم حصلوا على كل شيء.
أنا هنا أكتب مجرد فوارق الصورة البصرية للمدينة بين ثلاث سنين، وهنا الفوارق بين صورتين متباعدتين في الزمن، يصلح قياسهما للأنموذج على فكرة التنمية.
أولا: وجدت هذه البلدة نظيفة وأنيقة وكأنها تستقبل صباح العيد، وهذا أول منظر مخالف تماما، لما اختزنته الصورة البصرية قبل ثلاث سنين من هذه المدينة.
ثانيا: وهو الأهم، أن هذا يعطي فكرة مثالية عما أسميه على الدوام: صرف المال العام على فتح محاور جديدة لأفكار ومفاهيم التنمية.
وجدت في هذه البلدة السعودية المتوسطة الحجم أولَ فكرة تنموية لنقل أسواق المدينة، المختلفة إلى مجمعات متجاورة تم بناؤها بصورة عصرية، إلى خارج البلدة، في خط هندسي أنيق، سيشكل في المستقبل محورا أساسيا تنمويا يبقى معه قلب المدينة القديم مجرد “ألبوم” أنيق لا تطاله يد الهدم.
بُني هذا المحور التنموي الجديد، على أطراف شارع جديد، والشارع نفسه، “أنموذج” يحتاج إلى أن يكون تعميما وزاريا إلى كل مدن هذه المملكة.
هو أول شارع رئيس عام شاهدته في كل المدن السعودية، وقد تحولت ملايين الأمتار على جانبيه إلى حدائق ومتنزهات عصرية. هو أول شارع رئيس يرفض أن يتحول إلى دكاكين، أو منح أراض، واستثمار بلدية.
في كل ما شاهدته هناك، يظهر السؤال: فتش عن السبب؛ حاولت يومها مقابلة المسؤول البلدي، فلم أستطع، لكن الإجابات التي سمعتها من كثير من المواطنين تشير إلى شاب أربعيني، وهذا عمر زمني بالغ الأهمية، يريد أن يبني لنفسه سيرة ذاتية، وما زالت لديه طاقة الطموح والتحدي كي ينجح.
كل ما خرجت به من هذه المدينة، هي هذه المعادلة: حين تشيخ المدينة – أي مدينة – فادفع إليها بشاب ما زال يبني سيرته الذاتية.
علي الموسى
>