أعتقد أن حكايتنا مع القنابل الموقوتة في شوارعنا «الحفر الموضوعة بإهمال بالغ» حكاية لن تنتهي سريعاً، ليست كل «الحفر» مهيأة لبلع أحدنا بالطبع، لكن حفرة واحدة كفيلة بإحراق القلوب، ودليل كاف أن هناك من يهمه كيف يسرق أكثر من أن يؤلمه أن أحداً مات بسبب سرقته، ويأكلني أن أقرأ عن التنصل السريع من المسؤوليات أو لأقل الرمي بها من طاولة لأخرى، وكأنه ليس مهماً أن يموت مواطن بريء، بل المهم ألا توجه أصابع الاتهام والنقد لمؤسسة ما، سأستعيذ من الشيطان الكبير الذي يقول لي إن الكرسي أهم من البشر، وإن الخطأ الكبير يتحمله من ذهب للحفرة إذا ما سلمنا بأن الحفر لا تذهب لأحد، وعلى العابر للطرقات والشوارع أياً كان أن يكون موجهاً نظره إلى ما بين قدميه طالما كان قدره المشي، وفي حال رفع رأسه للأعلى فليتوقع أنها ستكون المرة الأخيرة التي ينظر فيها للأعلى.
لم تعد أزمتنا في السؤال المتأخر جداً: هذه الحفر تقع تحت مسؤولية من؟ لأن عاقلاً واحداً وقف على موقع الحادثة يمكنه أن يقول لمن تعود مسؤولية الحفرة، ويمكنه أيضاً أن يشرح بالتفصيل ما يستحيل شرحه ببركة اللجان المشكلة المتحمسة في البدايات الخجولة عن النهايات.
قبل أكثر من شهر بلعت حفرة موقوتة أباً وطفله الصغير، ولا نزال في انتظار ما تنتهي إليه أوراق التحقيق ولمن ستوجه أصابع الاتهام، مع قلقي أن تتهم الحفرة فوراً بلا شريك، وقبل أيام ابتلعت حفرة موقوتة أخرى شاباً في المرحلة الثانوية، وكأن هذه الحُفر تؤدي مهمات أخرى غير المهمات التي نصبت من أجلها، كابتلاع البشر، وإحراق القلوب، وإشغال الرأي العام، والعمل على إحياء اللجان، وأجهزة الرقابة، وتأكيد أن الحفر لا تموت.
الحديث عن الفساد حديث ممل ومكرر، لننسى الفساد قليلاً، هذه حفر للعار وموت الضمير وغياب الحس الإنساني، ومتى ظل السبب في هذه الحوادث المعترضة مجهولاً أو مشتركاً أو مغيباً فنحن على موعد جديد مع ضحية مقبلة، مثل هذه الحوادث المخجلة لا تستدعي لجاناً ولا فرقاً للتحقيق ولا جملاً للتنظير، هناك متهم رئيس وسبب صريح واضح، اعفوا عن المتهم إذا كان أهم من الضحايا، ولكن أخبرونا بالسبب الذي يجعل حفراً مثل هذه تتوزع في شوارعنا، إذا كان الفساد لوحده هو السبب، فسيكون التفاؤل بمستقبل بلا حفر، تفاؤلاً مكسور الأجنحة، وسيكون انتظار فاجعة جديدة أيسر من انتظار متهم أو إنصاف ذوي ضحية، إنصافاً يرضي عقولهم لا جيوبهم، ويخفف كسر قلوبهم.
الحفر مسؤولية الجميع، ولا أظن هذه الحفر لم يشاهدها أحد، ربما سنكون على موعد مع حملة وطنية للتبليغ عن الحفر الموزعة في الأحياء وخلف المباني وبين الممرات الضيقة، كل حفرة توثق ويعلن المسؤول المتوقع عنها حتى ينفي علناً عدم مسؤوليته عنها، المواطن من يجب أن يتحرك ويفعل حسه الإنساني والوطني، أما الجهات فتتلقى اتصالاً من مواطن حيّ وتجيبه بأنه لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بالشارع ولا بالرصيف ولا بالمبنى، وكأن الحفرة شقت عن نفسها بنفسها، مؤلم بحق أن نتحدث عن حفرة وحادثة وضحايا وراء ذلك، إنما المخجل أن تولد بيننا حكايات قاهرة وتبدأ وتنتهي من دون أن نقف عند جملة ثابتة سوى: «هذه الحفرة ابتلعت إنساناً».>