( عمّار الديار ) عندما تختار الخلود.

البعض يولد ويعيش ويموت دون أن يكون له أثر يذكر به.
يأتي للدنيا ويغادرها كالعدم، وقد اكتفى من العيش بالعيش.
والبعض يولد ويعيش ويغادر الحياة جسدا فقط، أما روحه وذكره وعمله فهم الباقيات الصالحات من بعده.
اختار لنفسه الخلود، وأبى العيش نكرةً ، أو عالةً على الحياة، بل قرر أن يسجل اسمه في سجل الخالدين الماجدين.
أخذ من الحياة الكثير، و أعطاها أكثر بكثير مما أخذ منها.
سيرته عطره، و حسناته منتشرة، وفضائله مزدهرة.
وقد اختار العلم الألمعي، والنجم الفرقدي الأستاذ الراحل/ إبراهيم بن أحمد مسفر الألمعي – رحمة الله عليه – أن يكون من الخالدين في قلوب وعقول الناس، وفي صفحات التاريخ المجيد، والعمل الإنساني الفريد.
أفنى سنين عمره لخدمة دينه، ووطنه، ومجتمعه .
عمل في عدة مجالات( أدبية، ورياضية، و تراثية ) وترك بصمته الواضحة حيثما حل، وعمل -المميز في شخصيته – هو العمل بصمت ودون بهرجة اعلاميةٍ ، أو اجتماعية ، ولم تُبرز أعماله وجهوده في وسائل الإعلام إلا في الفترة القصيرة التي سبقت وفاته .
وهذا يدل على انصرافه الكامل إلى العمل بإخلاص ، وهدوء، بعيداً عن أضواء الإعلام .
وعلى كثرة مآثره، وجميل مناقبه، وتعدد جهوده في مجالاتٍ شتى، إلا أن حبه للتراث، واشتغاله بإعادة احيائه وعمارة الحصون والقصور المندثرة في رجال ألمع خاصةً ، هو ماجعله يلامس قلوب الكثيرين في هذه المحافظة وغيرها.
ذاع صيته ولقب ب( عمّار الديار ) ، وهو لقبٌ استحقه بجدارةٍ تامة.
بذل المال والجهد والوقت، لينفخ الروح في أطلال الأمس، ويرمم ماتهدم منها، ليجعلها شاهداً حياً ، على الماضي العريق ، والإنسان الأصيل في رجال ألمع.
تشرئب أعناق الألمعيين زهواً ، كلما شاهد زوار المحافظة كل تلك المعالم التاريخية الشامخة في محافظتهم، والتي تنبئ عن شجاعة، وصبر، وفن الإنسان الألمعي.
عندما التفت الأستاذ/ إبراهيم إلى إعادة اعمار الآثار في محافظته، فقد كان يبعث مشاعر الاعتزاز والتمسك بتاريخ الأجداد، ليتعلم منه الأبناء والأحفاد أن الإنسان الألمعي، لم يكن هامشياً على أرض الوطن، بل كانت له صولاته وجولاته ، في الدفاع عن أرضه وعرضه ضد الأعداء، عبر الحقب المختلفة ، وكيف كان بانياً للحضارة ، ومساهماً في نهضة الماضي والحاضر .
وعمّار الديار/ إبراهيم الألمعي، وعى تلك الحقيقة، وعمل بجهد كبير ومميز لإبرازها للعالم كله، حتى أن قرية رجال التراثية باتت على مرمى حجر، من أن تنضم لقائمة التراث العالمي.
رحلت بجسدك يا إبراهيم ، وبقي منك العمل والأثر، لتخليد اسمك مع الخالدين ، كما اخترت أن تكون عليه بعد موتك ، فطبت حياً وطبت ميتاً .

بقلم/
عائشة عسيري( ألمعية ).>

شاهد أيضاً

الكاتبة ” سرَّاء آل رويجح ” في حوار خاص لـ” عسير ” : الجمر أيقونة ألم … والرقص أيقونة نجاح

صحيفة عسير – لقاء خاص : تمتلك الكاتبة سرَّاء عبدالوهاب فايز آل رويجح ، قدرات …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com