عندما تغوص في أعماقك ستكتشف أن لديك طاقة إيجابية مدفونة لا تجدها إلا حينما تعاني من أمر عصيب !! حينها تبدأ باكتشاف ذاتك !! والبحث عن دواخلك وأسرارها !! فكل شخص منا عندما يتعمق في أسرار نفسه يجد ذلك الكنز الثمين الذي لا يوجد عند شخص آخر غيره !! فهي هبات يضعها الله عز وجل في كل شخص !! ولكن الإنسان بطبيعة حاله لا يهتم بدواخله كثيرًا ولا يسعى لاستخراج ما وهبه الله إياه الا عندما يجد المعاناة … فكما قيل ( المعاناة تولد الإبداع ) .. ولعل أبرز الإبداعات التي ظهرت على بعض الكتاب والشعراء والمبدعين في أي مجال من المجالات .. كان منبعها ألم ومعاناة .. وليس هناك أجمل من إبداعٍ معجون بتربة الألم وصادر من ركامِ جروح !! فعنترة بن شداد العبسي ذاق الذل والهوان وقسوة الحياة وألم الحب … فقال أعظم أبيات الغزل وهو في المعركة :
ولقد ذكرتكِ والرماحُ نواهلٌ مني
وبيضُ الهندِ تقطرُ من دمي
فوددتُ تقبيلَ السيوفِ لأنها
لمعتْ كبارقِ ثغركِ المتبسمِ
وهناك ” بيتهوفين ” عاش حياة قاسية مثقلة بالهموم ، وقد سعى والده إلى تعليمه أصول العزف وهو في الثالثة من عمره ، وعندما بلغ الخامسة والعشرين أصيب بالصمم ، وقد كانت أعظم موسيقاه على الإطلاق تلك التي أنتجها في مرحلته الصماء .
ولدينا في عصرنا الحديث الدكتور ( عائض القرني ) فلقد أصدر أجمل كتاب وهو كتاب ( لاتحزن ) وهو في السجن ، فأمثال هؤلاء المبدعون كان الألم لديهم وقودًا للسير في طريق الإبداع والخلود .. وأجنحة حلقوا بها في عوالم الفكر والشعور .. جاعلين من الألم في حياتهم ليس فقط أحاسيس عابرة وذكريات أليمة ، بل نهوض بإبداعاتهم إلى أعلى القمم ،، ومحفز للبحث عن النور في ظلمة الأيام ، والمسؤول الأول عن ولادة الإبداع .
إذن فالألم مصدر الإلهام والخيال ، ومحفز لتحريك الأفكار ، وتوظيف القدرات الخاصة بطريقة فنية تستوعب الحزن وتجسد المعاناة وتخلدها .. ففي المحصلة كل شي يولد من الألم ” الحب يولد من الألم ” ” والإبداع يولد من الألم ” .
علي هاشل العسيري>