صحيفة عسيـر :
الإعلامي .. جزء من الجـرح !
ماجد بن مطر الجعيد
نتساءل بكل حرقة وألم هل أصبح الإعلام بكل أدواته وإمكاناته المتاحة والتي باعتبارها أدوات مساعدة مكنت الإعلامي من صنع المادة وقولبتها كيفما يشاء إعلام سطحي مفلس لم يعد لديه القدرة على التجدد والطرح العميق؟
الذي نراه أن غالبية إعلامنا اليوم والإعلام العربي عموما لا يعبر عن المجتمع الذي نشأ فيه، سواء كان ذلك متعمداً أم يرجع في ذلك لعدم فاعلية الدور المناط به والوظيفة الموكلة إليه.
إعلام يُوصف على أنه ذو تأثير بارد، حضور غير مكتمل، دفاع مفكك في تسلسله، نماذج مكرورة، أشبع حاجة الأفراد المادية ونسي أهم ركيزة الحاجة الفكرية بما فيها الأمن الفكري الذي هو بمثابة تحصين العقول من الاختراق، لم يحقق التنشئة الاجتماعية والتي عادة تتكون من المعرفة المناسبة لجيل متلهف صاعد، لم يطور الوعي وأعتمد على المجهود الشخصي مهمشاً القدوة القادرة على مسايرة هذا النضوج المعرفي -متسارع الخطى- رغم تواجدها في محيطنا، لكن لم يُسلط الضوء عليها لأسباب ظاهرة لا تخفى عليك أيها القارئ منها الشخصية النفعية التي تمارس سلطة المنصب حيث صدرت لنا التافه خالي الوفاض وأقصت كل ما عداه، مما ترك فجوة كبيرة وتيه واضح في الساحات.
إعلام أطروحاته لا تشجع أبدا على الحوار، وإنما هي يوميات سجلتها عدسة الكاميرا، مثلها مثل أحاديث في مجلس يتسلى بها “المعازيم” ريثما يجهز العشاء فتنتهي مع آخر ضيف ثقيل غادر متأخرا، كالسبعيني الذي ظهر في مقطع مرئي يتحدث بكل عفوية والذي عرف بالجملة الشهيرة “لا علّمني…” أصبح مادة يلوكها الإعلام ليصنع منها الدهشة! والأمثلة لكثرتها تكاد تحجب الرؤية.
أنت أيها الإعلامي تمثل وطن له صداه على وجه هذه البسيطة، تمثل تاريخ وتراث وقبل كل ذلك عقيدة وإيمان حقيقي راسخ، عليك أن تأخذ وظيفتك على محمل الجد لا تأدية عمل والسلام، هذه المجاملة والتلعثم والركاكة التي نسمعها ونراها في الإذاعة أو التلفزيون أو في الإعلام المقروء محبطة جدا جدا.
لو تأملنا في القضايا أيا كانت محلية أم على مستوى إقليمي أم على الصعيد العالمي وكيف تناولها الإعلام لا يرقى إلى المكانة التي انفردت وتميزت بها المملكة بين دول العالم، ولست وحدي من يقول بذلك، ولست أيضا أنكر الجهد المبذول حتى لا يُفهم من كلامي أنني أبخس حق الإعلاميين الذين يشرفون المهنة.
منصات ووسائل الإعلام حاضرة دائماً لكنها تفتقد للباحث المتمكن والمذيع أو المقدِّم الذي لديه ذخيرة لغوية وتعبيرية ومطّلع بشكل كبير على الثقافات الأخرى بحيث تمكنه من إدارة اللقاء بشكل سلس ومفيد، أيضا الموضوع والضيف أعتقد أنّ اختيارهما محتاج لمزيد عناية وتدقيق، كما أن اللّحن عند بعض المذيعين في البرامج الحوارية يدعوك للعجب، أتفهّم إن صدر من غيرهم؛ فكيف إذا كان المقدِّم لا يعي لغة الخطاب ويميل إلى إدارة حواراته باللهجة العامية منعاً للحرج وتفادياً للوقوع في أخطاء لغوية تكشف ضعفه وعدم أهليته.
من أهداف الإعلام التأثير ولكي نصل يجب أن نسأل أنفسنا مجددا كيف حال (المرسل) الذي يعتني بالرسالة؟ هل هو مؤهل للقيام بمهمة (الرسالة)؟ هل يستحضر أمامه أهداف منها تعزيز الهوية والافتخار بها؟ من هو المستهدف وأعني بذلك (المستقبل) كيف أجعله مهتم بما أقدمه وهل سيتأثر أم لا واضعا نصب عيني أن المستقبل للرسالة يدرك ويفهم وذكي ولمّاح لا تنطلي عليه هذه الحيل، فمن الرعونة الاستخفاف بعقله والاستهانة به.
عندما يخرج الإعلام من مسئوليته الاجتماعية وأمانة الكلمة التي يؤديها والإلتزام الأخلاقي الذي ينتهجه لحماية المشاهد والمستمع والقارئ فهو يعد من أكبر العوامل في هدم مقومات الجيل الجديد وتدمير وحدته وتمزيقه حينها يكون كاذبا لا يواجه قضايا المجتمع مواجهة صادقة ناجعة، وعلى إثر ذلك يدل الناس على قلم مسموم وصاحب منهج غير معلوم، والنتيجة أشواك في أفكارهم مغروسة، بدت لهم كأنها ورود منثورة.
نعوّل كثيراً على قرارات التوطين القادمة بقوة أن تشمل منافذ الإعلام ومفاصله، وتنحو في رؤيتها نحو المعالي والقمم، وعلى قدر أهل الإعلام تأتي المواهب، وعلى قدر الوعي يحدث التغيير .>