دمعة يتيم
دمعة يتيم سقطت على وجنتي ذلك الفتى الذي لم يبلغ سن الخامسة عشرة عامًا من عمره، عندما رأى أباه وهو يوارى الثرى، وهو لا يدرك حينها بأن الموت قد أخذ منه أغلى ما يملك في حياته ، وبأن ذلك المشهد هو بداية رواية طويلة جدًا سترويها له الحياة مع مرور الأيام ، بطلها ” فتى الخامسة عشرة ” ، وستكون هذه الرواية قاسية في تفاصيلها وأحداثها المؤسفة والمحزنة ، والتي قد أثقلت على كاهله الحمل ، وجلبت له التعاسة والحزن ودفعت به إلى متاهات الشوق والحنين إلى الماضي ، ماضي ذلك الابن الوحيد لوالده .. المدلل الذي لا يطلب شيئا من والده إلا ويجده ، ذلك الفتى المشاغب الذي يحدث ضجيجًا وصخبًا في المنزل ومع ذلك كله يبقى الابن المدلل الذي لايستطيع أحد ضربه أو إغضابه .. مهما حدث منه من صخب وإزعاج … وفِي لحظة أليمة وقاسية يودع أباه بدموع تحرق الخد من حرارة الفقد لهذا الأب العظيم … “رحمه الله” -وجعل قبره روضة من رياض الجنة – فكم هو صعب الاشتياق لمن هم تحت الثرى ، وكم هو صعب الاشتياق لقول ( يا أبي ) ، ولكنها سنة الحياة وأقدارها ، وكما يقول الشاعر ( أبو الحسن التهامي ):
حكم المنيةِ في البريةِ جارِ
ما هذه الدنيا بدارِ قرارِ
بينا يرى الإنسان فيها مخبرا
حتى يُرى خبرًا من الأخبارِ
طُبعتْ على كدرٍ وأنت تريدها
صفوًا من الأقذاء والأكدارِ
ويستمر عيش ذلك الفتى في ظل متاعب الحياة مكافحًا ومثابرًا وصبورًا ليجد أن الحياة مهما عصفت به وأرهقته إلا أنها تصنع منه إنسانًا عظيمًا مكافحًا مناضلًا معتمدًا على نفسه صانعًا لحياته ولمجده ، بمساعدة والدته التي كانت له عونًا وسندًا وكانت أبًا وأمًا وكانت وما زالت نبراسًا يضيء له الطريق … وتعينه على متاعب الحياة وعقباتها وصعابها ..”أطال الله في عمرها وحفظها من كل مكروه” .. تلك كانت دمعة .. بدايتها دمعة فقدوفراق ووسطها ألم وحزن ونهايتها دمعة اشتياق .
✍? ( علي هاشل العسيري )>