دوافع مُنَاصَح منتكِس

علي القاسمي عسيرخط العودة للفكر المتطرف خط مربك ومقلق، وما يقلق أكثر منه أن تدفع لجان برنامج المناصحة بما تيسر بين أيديها من دون التدقيق التام في زوال الآثار والبقايا والتراجع عن مستنقع الانحراف الفكري، وما إذا كان هناك مؤسسات اجتماعية حاضنة لهم أم أن الحضن سيكون خفافيش الظلام ومعتوهي الاستراحات المخفية وزبائن الطرق المنحلة، لست هنا بصدد الحديث عن نسبة المنتكسين في مقابل المستفيدين من البرنامج، لكن النسبة أياً كانت لا يجب أن تؤخذ باسترخاء والاكتفاء بأنها تمثل نسبة الخطأ المتوقعة في مشروع عمل لانتشال غرقى فكر مختل.
العودة للطريق المعوج الذي سلكوه تأكيد بأن ثمة أفاعي سامة ومن الوزن الثقيل تقبع خارج أسوار المناصحة لا تزال تمارس دورها في استقبال المفرج عنهم وتمارس معهم دور الماسح الفظيع لكل ما تقوم به لجان المناصحة، وهذه العودة تشرح كيف أن السم لا يزال في الميدان وبأيدي أشخاص لن يعبروا على أي لجان ولن يسألهم أحد: لماذا؟
وإن كان وصول المنحرفين إلى دائرة المناصحة ليس بالأمر السهل وكلف كثيراً من الجهد الأمني فيجب أن يكون خروجهم لمربع الأمان أكثر صعوبة وتدقيقاً من عملية الدخول، فنزع خيوط الأفكار المتصلبة وعلاج التشنج العقلي يتطلب مدة موازية للمدة التي استهلكها مشروع غسل الأدمغة.
هناك خطأ ما في دائرة الإسراع في منح الثقة، وأؤكد أن زمن المناصحة والمتابعة الأمنية يجب ألا يقل عن زمن الملاحقة والمطاردة الأمنية، الثقة ليست بالأمر السهل الذي يمنح لمجرد سلوكيات ظاهرة، فالسلوكيات هي التي عبرت بهم لأعوام طويلة وقدمتهم بيننا بوصفهم نماذج مغرية جاذبة وصية على النوايا ومنتجة للأفكار، ولو أنّا أجلنا الثقة قليلاً لأمكن توحيد الجهود الأمنية في مهمات أكثر تأثيراً ولما دخلنا في حيز المفاجآت وضعف المخرجات وعودة الضالين لجحورهم بعد أن توقعنا منهم توبة تجب ما قبلها.
العائدون لوحل التطرف بعد المناصحة هم ضحايا قيادات منظّرين متخفين عن الأنظار الأمنية، والمنظّرون مثل امرأة لا يعنيها كيف ومن مَن تلد أو من يكون الأب قدر ما يكون حلمها وهدفها أن تملأ المساحات بالأولاد، وأن تصنع طبولاً صغيرة قادرة على إحداث الجلبة والصراخ. المنظّرون المتخفون عن نظر الدولة سيكونون يوماً ما بين يديها، ولكن هناك أيضاً من يُنظّر أمامنا من دون مساءلة أو محاسبة.
يفترض ألا يتم الاكتفاء بلجنة مناصحة تستقطب ذوي كفاءة شرعية، بل يجب أن تدمج معهم أسماء فكرية ووطنية، وأن يكون فريق العمل في لجان المناصحة منوعاً ومرتكزاً على كثير من القراءات النفسية والاجتماعية والفكرية والعقلية، فمسألة إقناع المتطرفين لن تكون منحصرة في جانب شرعي فقط، فهم مصابون بكثير من حالات الازدواج والقلق والاكتئاب وانعدام التفكير وفقدان الأمل والضياع الشخصي، في ظل أن الأسماء التي كانت تقنع المنحرفين فكرياً ذات يوم لن تجذبهم الآن لرؤيتهم فيها تراجعاً عن القناعات وتحولاً في المنهج الخفي، ولو كان لي من الأمر شيء لطرحت عمل لجان المناصحة على مسطرة التقويم في كل عام مرتين وأحدثت التغيير في الأسماء التي لم تستوعب دورها فضلاً عن أن تناضل فيه، ومن ثم ضخ الدماء الجديدة المتحمسة للعمل لا اليائسة مع مرور الأيام والمنوعة في الجوانب كافة لا الجانب الديني فقط.

بقلم الكاتب / علي القاسمي

>

شاهد أيضاً

أسرة ال دليم مدرسة في الحكمة والحنكة

  بقلم أ/ خالد بن حريش ال جربوع في ليلة جمعت بين الحكمة والحنكة وبين …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com