بقلم / أحمد صالح الشهري
هذا الكلام لا ينطبق على الجميع بالتأكيد
لكنك بشكل أو بآخر سترى نفسك هنا في مكان ما .وستتساءل كما أتوقع وستقول في نفسك : أنا فعلا تصرفت بشكل مشابة ذات يوم ، وكثير مثلي فعل ، فماهو السبب يا ترى ، هل نحن ازدواجيون؟! ومتى أصبحنا كذلك؟ وبسبب من؟
عندما كنت طالبا في الثانوية ، حدث أن دخل علينا مدرس يقطن ذات المنطقة التي أسكن بها ، ولم يكن بيننا أي معرفة في الواقع. قال يومها : أن الأخلاق أهم شيء لديه..وحتى لو كنا سيئين دراسيا في مادته فإن ذلك لن يعيقنا عن النجاح، لكن تجاوزنا للمعايير الأخلاقية واحترام المعلم سيجعلنا بالتأكيد في خانة المغضوب عليهم عنده وهذا سيدفعه لترسيبنا! قالها فصدقته حتى تصادف أن التقينا في ملعب لكرة القدم ، عصرا وكنت مع آخرين نتفرج على مباراة بين فريق القرية وفريق ضيف في حين جاء وكان يريد اللعب في التمرين وفجأة سمعت الجملة التالية من مدرسي ذي الاخلاق العظيمة: من قال لهؤلاء الحيوانات أن يلعبوا مباراة في ملعب التمرين الخاص بنا؟ لقد وجه لأناس لم يسمعوه عبارة يندى لها الجبين. يومها عرفت أن التربية والتعليم تعاني كثيرا لدينا..كان مدرسا واحدا ولا يمثل الجميع .لكن الموقف بقي في ذاكرتي!
وقس على هذا الموقف لتجد أن رجل المرور الموكل إليه أمر تنظيم السير وتطبيق القوانين يرتكب المخالفات المرورية اثناء قيادته لدورية أو لسيارته خارج الدوام .وأن الشيخ الذي يحاضر عن الأخلاق سيجد نفسه أمام محكمة الضمير في لحظة ما وهو يعترف بأنه يخالف الكثير مما يتشدق به على المنبر .وأن المدافع عن حرية المرأة يقمع زوجته في البيت ، وأن الأب يأمر أطفاله بعدم الكذب في ذات اللحظة التي يتصل بمديره ليخبره وهو في كامل صحته أنه مريض ولا يستطيع القدوم للعمل.كثيرون في كل مكان يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر .إننا حقا في الواقع أناس مختلفون عما نتظاهر به..فماهو السبب يا ترى ؟
شيء ما في ثقافتنا يجعل الناس ازدواجيين وثنائيي الهوية . إننا حتى نصغر الأخطاء الكبيرة ونكبر الصغيرة منها. فتجد أن الكثير من الناس تأخذ موقفا سلبيا تجاه المدخن مثلا لكنها تمتدح التاجر الذي كون ثروته عن طريق الربا! وتتهم الحليق المسالم بمخالفة الدين في حين تهادن المتشدد الذي يتحدث ويتصرف بشكل عدواني ضد الجميع وهذا شيء مروع وباعث على الإحباط. لقد أصبحنا أمة بشخصيتين!! ماهي الظروف التي شكلتنا بهذا الوضع وكيف أصبحنا كتلا من المتناقضات هكذا. حتى بتنا لا نعرف من نحن فعلا. كثير منا كذلك حتى لو انكرنا!
نحتاج إلى مكاشفة في هذا الأمر وجميعنا يعرف أن مجتمعنا يعاني فعلا في هذه الناحية. ومدرك لخطورة هذا الموقف الأخلاقي الاجتماعي الذي وجدنا انفسنا فيه.ولهذا علينا البحث عن الأسباب وهي واضحة لمن أن أراد الصراحة مع نفسه ومع الحقيقة..إننا أسرى ثقافة فرضت علينا فرضا..ثقافة التدين الخارجي التي قضت على ثقافة التدين الطبيعي السائد سابقا..
لقد كنا مجتمعا طبيعيا قبل مجيء الصحوة التي صدمت الجميع ودخلت حربا مع الطبيعة المسالمة والشفافة للشخصية العربية والسعودية تحديدا. لقد وجدنا انفسنا فجأة أمام واقع جديد علينا التعامل معه واضطر الكثير لمحاولة التأقلم وإعادة التموضع. إنها فترة الصحوة الغفوة التي جعلت الكثير مسوخا تتكلم بشكل معين وتتصرف بشكل مغاير. حتى أصبح إرضاء المجتمع أهم من إرضاء الضمير ومن هنا تولدت هذه الشيزوفرينيا الفكرية لدينا. إنها إحدى سلبيات تلك المرحلة والتي بات على المجتمع التخلص منها..
التعليم تحديدا والإعلام أيضا مسؤولان عن ردم هذه الفجوة التي تشكلت.عليهما إعادة نمط الحياة الطبيعية إلى مجتمعنا حتى نعود بشرا أسوياء متصالحين مع ضمائرنا ومع طبائعنا البسيطة ومع المجتمع والعالم من حولنا. نحن بشر عاديون ولسنا ملائكة .وبدلا من محاولة إرضاء الآخر المتشدد علينا الرجوع لتلك الأخلاق الحقيقية التي كنا عليها ، أفرادا لهم ذات الظاهر والباطن. وهذا ممكن بالفعل..
على المدرس والإعلامي والفنان والشيخ وحتى الأب في محيط اسرته أن يعد لنا الجيل القادم بطريقة مختلفة . للشاب علينا أن نقول : امامك حياة جميلة جاهد فيها لتكون عالما أو أدييا أو صانعا في وطنك، محبا لكل شعوب الارض بوجه يحمل ذات المشاعر في قلبك.إعفاء لحيتك من عدمه شيء يخصك وحدك .ما يخصنا نحن شيء واحد وهو أن أن تكون بقلب أبيض..وأن تكون عضوا معتدلا وفاعلا في مجتمعك وبيئتك..
وللفتاة علينا أن نقول: كوني ربة منزل أو طبيبة أو صحفية أو كوني ما شئت، وابقي حرة الفكر، ضعي نقابا على وجهك أو لا تضعي النقاب.إنه قرارك أنت ، لكن عليك بالتأكيد أن تكوني على خلق يمثل أهلك ومجتمعك وثقافتك العربية التي تفتحر بك..
دعونا نعود كما كنا. مجتمعا يأخذ من مبادىء الإسلام المعتدل طريقا ومن الثقافة العربية الأصيلة منهاجا ..دعونا نعود لثقافة الصدق والمروءة التي لا ترضى بأن يكون الفرد في مجتمعنا مزدوجا، فالدين لم يكن يوما مجرد نظريات. إنه سلوك يجعل كل إنسان يمثله من موقعه. الدين أنتم .وليس الصحوة ..وليس أشرطة المحاضرات..إنه الأخلاق التي في القرآن والقرآن متاح للجميع..
مجتمعنا يستحق حياة أجمل. لقد ضاع الكثير من الوقت.ولكن شموع الأمل لا زالت مشتعلة. دعونا نرفعها لتنير الطريق ولنرى في ضوءها وجوهنا الحقيقة التي غابت عنا لعقود. لسنا ازدواجيين حقا.لقد جعلنا كذلك لفترة وعلينا العودة..هذا كل شيء..>