موت الياسمين

السدرة شاهدة على زمن عظيم ، بقيت وحيدة تذكرنا بالماضي،،تمنحنا ظلها وثمارها، وشيء من الذكريات،،، تفرح بالطير يبني على اغصانها له قبباً..

بعدما هبت عاصفة، محملة بالغبار، اجتاحت شجيرات صغيرة، تحت ظلها، فاقتلعتها ومالت، لامست اغصانها الارض، ومات منها الكثير،
هدأت العاصفة قليلا، بدأت الاشجار تلملم
آثار الدمار، وبقايا الموتى، حاولت اصلاح الفوضى التي خلفتها المعركة…
مات الياسمين، تاركاً زهوره البيضاء ملقاة ، تعفرت خدودها بالتراب،،،،
ذبلت اشجار السكب، واستبدلت الوانها الصفراء بلون الطين..
مات الصيمران تاركاً للعصافير بقايا عطره، وقليلا من البذور،
مالت شجرة الثعب، كشابة مات عنها حبيبها فترملت واغلقت الابواب، حزنا، على عطورها التي كانت فواحة تستجلب النحل والفراشات، وسقط كثيرا من اعشاش الطيور فماتت صغارها ،،،،
تناثرت الفراشات بعيدا، وعاد النحل بلا رحيق ولاشهد.. ولم نعد نسمع له دوياً.

طلع الصبح، واشرقت الشمس تستنهض الهمم،
صاحت يمامة، كان لها بيتاً، فيه صغاراً وحبيب، وغنت بالحزن الحاناً فابكت الاشجار، والظل، وبقايا جذوع الاشجار الميتة…

تحدثت السدرة قائلة؛

كنا كثيرا، نشكل غابة، طالما غنت لها الطيور، كان لنا ظلاً وارفاً وورداً وعطراً واغصانا متشابكة، نمنح من تحتنا ظل ورطوبة، وحياة وجمال ، كنا قوة لنا جيش من الحشرات، لها على الازهار دويا، كان الجمال مسكننا، والظل ملبسنا، تجاورنا عقودا من الدهر، منحنا بعضنا البعض، الماء والظل والخضرة والثمار، كانت لنا من الاغصان جدرانا وموانع لاتخترقنا الرياح ولا الشمس، الاحسب حاجتنا،،
كان هنا ارنب يبني بيتا، وفار يحفر الارض يخلط الاوراق لنا بالسماد، كان هناك ثعلب مشاكس يسكن معنا، ينام النهار في ظلنا، يختفي ليلا، ويعود محملا لصغاره، التي تلعب دائما وتحفر لها حفراً، وتجود السماء بالمطر فتمتلي الحفر،،، نجود للراعي باوراقنا، والثمار، يقطف السكب والصيمران من تحتنا. نجود للنساء بانواع الحطب، وثميرات يبحثن عنها الصبايا والشباب، لم نفضح يوما سر عشاق تبادلا تحتنا القبل، ولا اشارات الشباب للصبايا بالمقل، كم شاهدنا يحيى وراعية هنا، ثم حسن وشريفة يقطفان ثمار الحماط،،، ،
كم شاهدنا ناصر ومريم يتبادلان عود السواك ، وضحكة خجلة، تنبع من فم راعية لامست آذانها كلمة عاشق مستهام ، هناك جوار ذلك الجذع الميت، جلست صالحة مع ابراهيم، هنا اعترف مهدي لثالبة بحبه فضحكت ورمته بالحصى، في ذلك الجذع عندما كان باسقا، مشط، ومكحلة وشضايا مرآة حليمة، في ذلك الركن جلست عائشة ذات يوم وحلت شعرها فانتثرت بذورا من (مكعسها) فانبتت الارض بعدها. ريحانا وسداب وبعيثران،،،،،
هنا،، لا،،، هناك،، لم اعد اذكر،،،، قاسم كان يخفي مزمارته، وعصاته، وعطره، سمعناه ذات يوم يعترف بحبه لتلك الصبية التي لم نعرف اسمها، من صوت النآي.

ذات يوم سمعنا، صوت لا نعرفه، يدعو الإله لنا في الزوال، وقال لرفيقه،،،، الا ترى ان اختلاط الاشجار ذنبا،،،، وان الصغار تحت الكبار عيبا، نخاف العقوبة ان لم ننكر المنكر، الا ترى ان شجر الثعب بجوار السدرة، وان شجر الاثب يلتصق بالضبرة ذات الجذع البارز مفاتنه، وشجرة القاع يحتضن العرعرة،،،، هذه الشجيرات تفوح بشذ يفتن النحل،،،، يستجلب الفراشات والنمل،،،، وتلك (الجثجثة) متبرجة بالوانها تنفث العطر،

سمعت تلك الشجيرات الصغيرة ذلك الصوت، وشكت، قائلة؛
ان الكبار تساقط علينا ثمارها الثقيلة واغصانها، وتاخذ الماء عنا، وتحجب اشعة الشمس، وتزاحمنا المكان، فلم نكبر، ولم نتكاثر، اشتد النقاش والخصومة،
اتهمت الاشجار بعضها، وساد الخصام والقطيعة، وبدأت الانشقاقات، وارتفع الصوت والصراخ، وتفشت القطيعة، والغضب…

ذات يوم، عاد صاحب الصوت،،، بعد ان انهكت الغابة، الخلافات والمشاحنات، والقيل والقال.

وفوضته جميع الاشجار في وضع حل يرضي الجميع،،،، رغم انه لايعرف مصلحتها…..
فتم قص كثيرا من الاشجار الكبيرة، لفسح المجال للنباتات الصغيرة، وازالة جميع الاشجار المتسلقة بالكبار، وتم وضع خط تماس بين الاخوة الاعداء، سمي بالخط الاخضر، ووجدت الرياح لها مدخلا فعاثت في الغابة فسادا، وسقطت اشعة الشمس على وسط الغابة، فاختفى الظل، وزالت الرطوبة، فمات كثير من النباتات الصغيرة، وتحولت الاشجار الكبيرة الي اعواد يابسة، تعرضت للاحتطاب الجائر، وماتت الغابة، بقي قليلا منها للذكرى، وهي في طريق الزوال، ليقام عليها مصنع للبلاستيك، وسكن عمال نزحوا الينا، ومسجد يصلى ويستسقى فيه، وتحول المكان الي مكب للنفايات، ومجاري الصرف الصحي،،،،
عرفت الغابة بعد ان تحطمت ان بقاءها يكمن في البعد عن الخلافات، وانها اعرف بمصلحتها من غيرها…

ثم صمتت قليلا وقالت؛
عجبي لتلك الهراوات من اين منشأها….

بقلم / لاحق ال هادي
رجال المع>

شاهد أيضاً

كلوا وأشربوا في بيوتكم لتجنب التسمم الغذائي

عبدالله سعيد الغامدي قبل أيام أعلنت وزارة الصحة إصابة 15 شخصاً في الرياض بأعراض تسمم …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com