“الموت” حجز مؤكد

 

الدكتور صالح الحمادي

خلال أربع وعشرين ساعة تلقيت ضربتين موجعتين بمغادرة أشخاص من مسرح الحياة لهم بصمة وأهمية ومكانة في مشوار حياتي، بل لا أبالغ إذا قلت أن الصدمة هزت تفكيري وبعثرت وجداني أكثر من سبع درجات بمقياس رختر المدمرة.
صباح يوم الاثنين تلقيت الموجة الأولى من الموجات الصوتية المؤلمة بوفاة أخي ورفيق دربي وصديقي الذي عشت معه أجمل أيام حياتي الأخ والرفيق والصاحب فيصل محمد بن سلمى ولحظتها استعدت من هول الصدمة كل ذكرياتي في حي البديع مع والده الشهم محمد بن سلمى الذي كان منزله مفتوح يوميا لزواره للاستمتاع بمسامراته وذكرياته، وتذكرت كل تفاصيل الزوايا مع الأشقاء أبناء محمد بن سلمى وأبناء جوهرجي فيصل وعبدالله وأبناء الشليل وبقية رفاق تلك المسامرات المحفورة في جدار الزمن ، تذكرت أخي وصديقي الذي كان يهاتفني قبل يومين من وفاته ويسألني عن أبها بعد غربته في أمريكا أربعة عشر سنة وعدة سفارات واستقر في الرياض وكنت انتظر زيارته ليشم رائح مدينة الضباب وأزقتها “مدينة أبها” واحيائها الشعبية التي شارفت على الاندثار بفعل وعنف الجرافات التي لا تبقي ولا تذرُ، ولكن الموت غيب “فيصل” ففقدت بوصلة الانتظار لأنها بلغتني بأنه لن يأتي أبدا.
في غمرة الحزن فوجئت صباح يوم الثلاثاء بنبأ وفاة كبير وعميد ورمز قبيلة بني رزام وأحد أعيان قبائل بني مالك عسير الشيخ علي بن مداوي بن مخلد ، تذكرت الرجل الرمز والقامة الكبيرة في وقفاته أمام الصفوف وتصدره المجالس بسرده التوثيقي للكثير من الأحداث التي شهدتها المنطقة ، وتذكرت سماحته وكرمه ونبله وتوقفت كثيرا عند لحظة زيارته لمنزلي للاطمئنان على والدتي قبل وفاتها بأيام في موقف لن يغادر ذاكرتي ، تذكرت أن الفقد عظيم وحجوزات الموت لا توفر أحد وأن حجوزاتنا مؤكدة واحد ورى واحد ولا نعلم من تتوفر له مقاعد المغادرة في الرحلة السرية المقبلة! … تذكرت أنني فقدت أشياء كثيرة، تذكرت رائعة خالد الفيصل ” تلفتت روس المخاليق وين أنت؟! ” لذا لملمت أوراقي وذهبت للركن البعيد ، هناك حيث النور الخافت والوجع والحسرة والألم.

>

شاهد أيضاً

كم كنت عظيماً يا ابي

بقلم : د. علي بن سعيد آل غائب بمناسبة الذكرى الخامسة على رحيل والدي رحمه …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com