-أنا مشهور أنا إعلامي!!-

* يحيى محمد العلكمي

لعلّ من المكتسبات التي أجبرنا هذا الوباء على رؤيتها، أنه أصبح لدى المجتمع الوقت الكافي للتأمل فيما يدور -حوله وخلاله- من حركة دائبة لا تكاد تقف عند حدّ، ولا تمنح أحدنا الفرصة؛ ليجيل النظر بوعي فيما يكتنف حياته، لقد جاء (كورونا الجديد) كالمطرقة التي هوت على رؤوسنا لتوقظنا من سبات النوم في عسل المدنية والتطور ومتغيرات التقنية، وقف أمام لهاثنا المحموم سدا منيعا، ثم أشار بيد الصرامة أنْ: توقفوا، عودوا، تريثوا، راجعوا، تأمّلوا، حاسبوا أنفسكم، تفقدوا أحوالكم.. أسركم.. أولادكم..
نزل ليعيدنا إلى بيوتنا، فنراجع رؤانا وقراراتنا التي اتخذناها لحظة عجلة غافلة، ومن المؤكد أن منّا كثرٌ قد جلسوا جلسات المراجعة هذه، وتبينت لهم أمور لم تكن في حسبانهم، من تلكم الأمور ما كانت تمتلئ به منصات التواصل الاجتماعي من تهافت وحضور مفروض لأناس يسمون أنفسهم (المشاهير) وهم -من وجهة نظر خاصة- ليسوا على حال واحدة، ففيهم المهنيّ الذي يستند إلى معلومات موثقة، ويقدم محتوى جيدا، وهم مع الأسف قلة قليلة، أما السواد الأعظم فهم من الذين ركبوا موجة التقنية، واستغلوا (لا أقول استثمروا) وجودها وانتشارها؛ ليبثوا أخبارا غير ذات أصل، ويطلعونا على جوانب تفصيلية من حياتهم لا نرغب في معرفتها، بل إنّ منهم من أخذته العزة بالإثم فاقتحم قيم المجتمع وثوابته، وعبث بعاداته وما يتكئ عليه من نظام اجتماعي، والشواهد كثيرة.. ثم تراه يقدّم نفسه في المحافل واللقاءات على أنه (الإعلامي) الذي ملأ الدنيا وشغل الناس.
وبغض النظر عن أن يكون مصطلح (إعلامي) مصطلحا مهنيا دقيقا –شخصيا لا أراه كذلك- حيث إنه مصطلح شمولي، لا يعبر عن المهنية المطلوبة، وهذا ما توصلت إليه وزارة الإعلام مؤخرا بمنحها بطاقات مهنية دقيقة الوصف (صحفي – مراسل – مصور… إلخ) بغض النظر عن هذه الإشكالية، فلا يمكن أن نعدّ هؤلاء إعلاميين، ولا مراسلين، إذ ما الأدوات التي يملكونها غير (كاميرا الجوال) والتقافز في كل مكان؟ أي مهارات احترافية اكتسبوها غير الجرأة الممقوتة وبث الشائعات وارتكاب المخالفات؟ أذكر أن أحدهم في رحلة طيران، سبب بلبلة وأزعج الركّاب من أجل أن يلفت انتباههم إليه، فأي صفة من صفات الإعلامي المؤسس توفرت فيهم؛ ليجدوا هذا الانتشار الواسع؟
الحقّ –وقد أتيحت لنا الفرصة للتقييم- أنّ ما بعد كورونا بمشيئة الله وعنايته سبحانه سيكون مختلفا عما قبلها (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) ق. 37 ، ليس على هذا الصعيد فحسب، وإنما في مجالات واتجاهات متنوعة، آن لنا أن نتعلّم من هذه الدروس والعبر، أن نتفكّر فيما يراد لنا من خير أو شر، أن نرتهن إلى البصائر والعقول، لا الأضواء الزائفة الزائلة، ونحن –بعون من الله– على ذلك قادرون، وها الأمثلة الناصعة الشامخة من أبنائنا البارزين الفاعلين في شتى الميادين العلمية والطبية تملؤنا عزة وفخارا، وتثبت ساعة الملمّات مَن المتقدّم الواثب مِن المتردد الواجف.>

شاهد أيضاً

كم كنت عظيماً يا ابي

بقلم : د. علي بن سعيد آل غائب بمناسبة الذكرى الخامسة على رحيل والدي رحمه …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com