شهر رمضان.. موسم شحذ الهمم

 

تعيش نفس المؤمن دائماً في سباق مستمر، فنفس المؤمن دائماً تواقة للمعالي، إذ يعرف المؤمن يقيناً أن حياته في هذه الدنيا ما هي إلا مرحلة قصيرة زائلة وليست هدفاً يسعى لأجله وأن الحياة الحقيقية والسعادة الأبدية قد أعدها الله للمؤمنين الصالحين أصحاب الهمم العالية في الحياة الآخرة، فيعمل المؤمن ويكد ويجتهد في الحياة الدنيا ويلتزم بالمنهج القويم الذي جاء به القرآن الكريم وجاءت به السنة المطهرة، ويشحذ المؤمن همته في الطاعات وتعلو همته في مواسم عديدة يكرس فيها جل وقته للعبادة ومن أبرز هذه المواسم شهر رمضان المبارك، يكثر فيه المؤمن من الأعمال الصالحة ويجود فيه بكل الأعمال الصالحة، فرمضان موسم تكثر نفحاته وتعلو همة المؤمن للتعرض لهذه النفحات وكسب الأجر والثواب فيها، فتعلو همة المؤمن في الإكثار من الصلاة وقراءة القرآن، وقد حث الله المؤمنين في كتابه العزيز على علو الهمة والاكثار من العبادة والأعمال التي يحبها الله ويتقرب المؤمن من خلالها إلى الله، ومما جاء به القرآن الكريم في الحث على علو همة المؤمن ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21]، فالمؤمن ينال بعلو همته الدرجات العليا وخير منازل الجنة يوم القيامة فقد أعد الله للمؤمن من الثواب على علو همته ومسارعته في الخيرات من الثواب الكثير حيث قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، وقد رغّب الله المؤمنين في الإقبال على الأعمال الصالحة بهمة عالية لما يتحصلون عليه من الأجر الحسن فقال تعالي: ﴿ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].
حثُ النبي – صلى الله عليه وسلم – على علو الهمة
قد أكثر النبي – صلى الله عليه وسلم – من حث المؤمنين وتحريضهم على ما من شأنه أن يرفع به من هممهم فقد قال – صلى الله عليه وسلم –: (إن الله عز وجل يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سَفْسافها) وكان يدعوا الله دائماً بأن يعيذه من العجز والكسل وكان يعلم أصحابه هذا الدعاء للارتقاء بأنفسهم وهممهم، وقد كان النبي قدورة في علو الهمة ومثالاً رائعاً لأصحابه وللمؤمنين فكان يكثر من الأعمال الصالحة التي تقربه إلى الله وكان كثير الاستغفار على الرغم من أن الله تبارك وتعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقد كان النبي مثالاً للمؤمن عالي الهمة، ومن خلال سيرته العطرة وتعاليمه وإرشاده للصحابة الكرام نتعلم أن المؤمن لا يمكن أن يستسلم للعجز والكسل فلا تكل نفس المؤمن ولا تمل بل ترتقي دوماً وتسعى للوصول إلى معالي الدرجات، فكلما كانت نفس المؤمن تطمح إلى معالي الدرجات كان من المطلوب أن ترافق هذه النفس همة عالية، فبتلاقي النفس الكبيرة مع الهمة العالية يمكن للمؤمن أن ينال ما يسموا إليه من الوصول إلى الدرجات العليا وفي هذا يقول الشاعر: وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام.
الغاية من علو الهمة
تعلو همة المؤمن من خلال المنافسة الشريفة في أمور الدين، ومن علت همته من المؤمنين ترك المنافسة في أمور الدنيا ورغب أكثر في المنافسة للفوز بمكاسب الآخرة وما وعد الله المؤمنين فقد قال تعالي: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: 148]، فالمؤمن عالي الهمة ينافس في الدين ويترك المنافسة في غيره ويسعى بكل الأعمال مع النية الخالصة للوصول إلى مغفرة الله جل وعلا ورضوانه، وقد قال أحد الصالحين إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل، فغاية المؤمن من علو همته إدراك المنازل العالية التي أعدها الله لعباده المتقين.
علو الهمة في رمضان
رمضان شهرٌ تعلو فيه همم المؤمنين فيكثرون فيه من ذكر الله واستغفاره ويتهافتون على قراءة القرآن ويكثر المؤمنين في شهر رمضان من الدعاء فللصائم في رمضان دعوة مستجابة فخلال أيام رمضان ولياليه أوقات كثيرة يغتنمها المؤمن للتقرب إلى الله بمختلف الأعمال فيجمع المؤمن في رمضان بين صيام النهار وقيام الليل واغتنام ساعات السحر بالتسبيح والاستغفار وقراءة القرآن بعد صلاة الفجر إلى الشروق وغيرها من الأعمال الكثيرة التي يسارع بها المؤمن للتقرب إلى الله في شهر رمضان، فأيام رمضان موسم يستغله أصحاب الهمم العالية ليدركوا رضى الله ومغفرته فأول رمضان رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار أما عن ليالي رمضان التي يتسابق أصحاب الهمم العالية على قيامها ففيها ليلة هي خير من ألف شهر ألا وهي ليلة القدر يكثر فيها المؤمنون من الصلاة والدعاء لما له من فضل ففيها نزل القرآن الكريم.
وصية للمؤمنين
إن ما أعده الله للمؤمنين في الآخرة من الثواب يتطلب من المؤمن ألا تخبو همته وعزيمته وألا يكل ولا يمل في طلبها من الله والسعي للحصول عليها، فحتى يحصل المؤمن على مبتغاه من الفوز في الحياة الآخرة عليه أن يسعى بالجد والعمل خلال الحياة الدنيا، فمن أراد الراحة في الآخرة فعليه بالتعب في الحياة الدنيا، فالمؤمن يحجز مكانه في الآخرة في الدنيا فمن أراد أن يكون من المتقدمين في الآخرة عليه أن يكون من المكثرين للأعمال الصالحة في الدنيا ولا يمكن أن يدرك النجاح في الحياة الآخرة إلا من كانت له همة عالية في الحياة الدنيا فكما قال الشاعر أحمد شوقي:
الطائر يطير بجناحيه والمرء يطير بهمته
فكن رجلاً رجله في الثرى وهامة همته في الثريا

د. عبدالله بن معيوف الجعيد
@abdullahaljuaid>

شاهد أيضاً

كم كنت عظيماً يا ابي

بقلم : د. علي بن سعيد آل غائب بمناسبة الذكرى الخامسة على رحيل والدي رحمه …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com