بقلم الكاتب / إبراهيم أحمد العسكري
تعلمنا وأيقنا أن العلم يزيد صاحبة رفعة وتواضعًا إذا أدرك المعنى الحقيقي للنهاية الحتمية وأدرك قول الله تبارك وتعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).
وأدرك قول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بقوله: مَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ.
اذًا فأنا أرى أن من تجاوز قول الله، وقول رسوله فيما ذكر أعلاه فإن ذلك يعد تجاوزًا معيبًا، ويعد صاحب التعالي ذو منقصة مهما استحوذ من شهادات دنيوية لا تسمن ولاتغني من جوع..!
للأسف رأيت مؤخرًا، وقد يرى الكثير معي أنه طرأ في بعض مجتمعاتنا أشكالٌ ممن يصنفون من البشر لم نعتاد عليهم حينما ينظرون لمن حولهم بفوقية وشعارات لا تليق؛ فتكون رؤيتهم للآخر دونية، ويحجمون أنفسهم أنهم أهل ينابيع من المعرفة، وأهل أبراج عاجية فيرون من حولهم صغارًة.!!
بينما يراهم المحقون والأسوياء الأصغر دائمًا.
هذه الفئة نالتهم العدوى من بعض فأصبحوا يصفقون لبعضهم خارج الأسراب بغية التغلغل، ولكنهم يتعثرون بالواقع الذي ينال منهم ماران على قلوبهم.
تحدثت مع صديق، وهو رجل مدرك ومنطقي عن هذه الظاهرة من الفئة الطافحه فقال لي بالنص:
بإمكاني احترام النملة أو أحتقر مخلوقًا إن وجد قبل أن أحترم هذه النوعية من المتكبرين، ولعلي أخص أهل رفع الأصوات. وإن أنكر الأصوات لصوت الحمير.
لأن الشخص الذي يضع نفسه بكل شيء مميزًا، ويرى أنه يجب على الآخرين معاملته بشكل مختلف مع مراعاة كونه وضع لنفسه حرفًا يسبق اسمه أيًّا كان مقصد الحرف، فيشعر من خلاله أنه يعيش في برج أعلى من بقية البشر الصغار في نظره.
ويضيف محدثي أنا شخصيًّا أراه أصغر من تلك النملة، مع اعتذاري للنملة عن التشبيه فهي من مخلوقات الله، وذكرها الله في كتابه، لكن قصدت صغر الحجم للمتعالي فقط..!
ثم أضاف صاحبي بقوله لأصحاب كل الحروف التي تسبق الاسم أو الشعارات والشارات بالمرتبة اوالرتب أيًّة كانت أو ما يعلق من شأنها على الأكتف أو على الصدور بأنواعها، وأخص هنا فقط أهل التعالي المزعوم.
أما الأسوياء، وأهل العطاء فهم من يستحق الثناء كبر أو صغر موقعهم.
يا أخي.
كن مليونيرًا، كن ذا شهادة عالية، كن في منصب مرموق فسينتهي حتمًا بكرسي حلاق.
كن من طبقة اجتماعية عالية أو مخملية في نظرك،
كن أي شيء مما تريد،
هذا قد يعني لك أشياء تراها أنت وحدك أو لشخص ما قد يراك بما ترى..!
لكن ثق أن الكثير الأغلب ليسوا كذلك حتى وإن صفق بعضهم أو أبدوا إعجابًا مزيفًا.!
الأصل أن الناس أسنان مشط، الرئيس والمرؤوس، والغني والفقير، والكبير والصغير في أعيننا سواء.
فهم جميعًا من نطفة، وأبناء تسعة أشهر فلا يحاول أحد أيًّا كان التصرف؛ وكأنه نسيج خارق في الوجود وحده.
الواقع أنه يتصف بالنقص كل من ادعى الكمال أو يظن أنه طبقة (واو) زعمًا منه فصدق نفسه..!
في الغالب من يتصف بذلك هم ضعاف نفوس حينما صنفوا أنفسهم بدرجات فوقية..!!!
لم ينتهِ حديثي مع صاحبي فقد أضاف بقوله:
ربما هنالك استثناء وعلي أن أذكره.
نعم أنه استثناء، أعني به الأشخاص الذين أراهم أعلى من الآخرين، وهم:
الأطفال فاراهم أرفع قدرًا من الكبار؛ لأنهم أقرب إلى عالم البراءة أو بغير قصد للفوقية والتعالي..!
وهناك أيضًا الناس الأعلى درجات، وهم الأسوياء الذين يقفون مع أناسٍ آخرين في هذا العالم، وهم من المحسنين إلى ذوي الحاجة والفقراء وكذا من العاملين في المجال الخيري أو الإصلاح بأي شكل كان.
أولائك بنظري أعلى منزلة من غيرهم..!
أما الغالب من الناس فسواء ..لا يميز بينهم إلا سلوكياتهم الراقية وأخلاقياتهم الإنسانية التي قد ترفع واحدًا على آخر طالما تمسك بالمبدأ الحسن.
صاحبي أضاف ما رأيت أن اقتصه، رغم أنه صادق عن وصف المتكبر، لكني حجبته بقصد مني.
لأن ذوق أسماع القراء بهذه الصحيفة أهم من أن أغثهم بسلوكيات طرأت بمكابرة ومكابدة للنفوس من أهل التعالي المزيف..!!
وقد عجبت لمن يعيش الفوقية ربما لورقة صنعها فتنمط من خلالها سلوكًا معلبًا، وهي في الواقع لم تتم تلك الورقة إلا بمساعدات ممن يوجهه في تفاصيلها ونسي أو تناسى ما تعني مضغة الجسد الأهم..!!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رُبَّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرَّه)
وقال ﷺ : لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر،
وقديمًا قال أجدادنا (كبر النفس من كبر المصيبة).
وأخيرًا نأمل الهداية لكل من وضع لنفسه مقامًا لا يليق بها، ونسأل الله أن يثبتنا على الحق، ولا يبلانا بمثل ذلك.
أما من يرى أحقيته لذلك فأمامه ماء المحيطات إن أراد أن يرتوي..!>