بقلم – صالحة نصيب :
نعم! أبكتني الطفلة التي لم يتجاوز عمرها سبع سنوات، وجعلتني أذرف الدموع، وقلبي يغوص في الأعماق، ليعيد الذكريات الجميله مع قصة اليازية..!
اليازية؛ طفلة أطلّت على الحياة بعد تلهّفٍ من سنوات الانتظار بعد زواج والديها، وتَصَبُّرٍ من طول الانتظار في تلك العائله التي كانت هذه الطفلة أول بذور امتدادهم، فهي أول حفيدة تولد لهم، لتكون قرة عَينَي والدَيها وجدَّيها وإخوة أمها وأخوات أمها.
نعم! إنها أيقونة الأسرة ومنبع سعادتها! جاءت على شوقٍ وتلهفٍ وترقُّبٍ لرؤيتها من كل عائلتها! وحملها بين يديه، وضمّها بين أضلعه ليقدّم لها كل ما لديه من حب وحنان، بجانب كل ما ترغب فيه من رغبات الأطفال.
لا أحد يستطيع أن يرد لها طلبًا! فرغباتها أوامر تُنَفَّذ في التو واللحظه..!
أحبها الجميع، وسعى كلٌّ منهم ليفوز برضاها، من خلال ابتسامتها التي تشع نورًا وفرحًا، لكل من أقبل عليها ملاطفًا أو يحمل الهدايا إليها..!
سيقول القارئ: وما موقعك أنت من الإعراب في عائلة اليازية ومولدها؟! وماذا فعلت اليازية لتُهطِل دموعك!؟
صدفة الأعمار وترتيب الأقدار، ساقني للتعرف على جدتها وجميع أفراد عائلة اليازية. حضرت زواج والديها، وشاركتهم فرحهم وسعادتهم، انتظرت مع الجميع بذرة ذلك الزواج، ولله الحمد كانت الباكورة لهم اليازية، عايشتُهم لحظات نموها وهي في المهد، ثم حالَ حَبْوها على أربع، وبعدها التهادي بين الاتزان والسقوط أثناء خطواتها الأولى في مدارج المشي، ثم دخولها الحضانة، وبَعْدُ الروضة، ثم المدرسة النظامية. عشت مراحل عمرها كلها، سنة تلو سنة، حتي مرت سبع سنوات كلمح البصر..!
أما قصة بكائي فجأة بعد أن أبعدنا “كورونا” عن اللقاء بمن نحبهم، وأجبرنا أن نبتعد عنهم رغبةَ المحافظة على حياتهم، والاستمتاعَ بكونهم أصحاء وبخير. نحادثهم عن بعيد عبر المحمول، ولا نستطع أن نضمهم إلى صدورنا كما كنا نفعل في قريب عهدنا بهم! لم أزرهم ولم أرهم من أكثر من ثلاثة أشهر طوال، كنت خلالها أتحدث إليها لثواني أو دقائق معدودة، وتسألني ببراءة الطفولة ((احوه تعالي بيتنا الحين ياله باي)) هذه هي عبارتها، أمر لا جدال فيه! كنت أسمع هذه العبارة؛ فأنطلق مسرعة بسيارتي من دبي إلى أبوظبي لألبي طلبها، وأستمتع برؤيتها ولأضمها إلى صدري وتضمني بقبضتيها الصغيرتين. سبحان من جمع القلوب وزرع المحبة في النفوس!
الأسبوع الماضي -بعد أن كثرت وعودي لها بالحضور دون تلبيه ذلك، وأحيانا التذرع بكورونا ذلك المفزِع، وأنه سوف ينتهي قريبًا، وسوف أحضر، حينئذ تفاجأت بها تقول لي: ((أحوه أنت من زمان ما يتي عندنا، تعالي الحينة)) عندها بكيت بصمت وأنا أعدها بالحضور قريبًا بإذن الله.
نعم! بكيت بل كانت الدموع تسابقني، بعد أن أقفلت خط الهاتف! بكيت لأنني تذكرت كثيرًا ممن قدمنا لهم الكثير، وعشنا معهم عمرًا طويلًا، ولكنهم نسوا كل ذلك في لحظة! لم يبعدهم عنا كورونا أو غيره من الأمراض، لو كان ذلك لعذرناهم، بينما هذه الطفله تذكَّرتْ تلك الايام والليالي التي كنت أقضيها بين ظهراني منزلهم، وأناغيها وهي في المهد وبعده!
ما أجمل الطفولة، وما ألطف براءة الأطفال! لم تطمس مُتَعُ الحياة على قلوبهم، وتشغلهم أمورها، وتجعلهم يجحدون من كان معهم ذات يوم. نِعْمَ الأخ والصديق والعون والرفيق. ليتنا بقينا أطفال اليازية ولم نكبر.
شكرًا ابنتي الحبيبة اليازيةـ شكرًا من القلب لبراءتك وحبك، شكرًا لأنك أسعدتني كثيرًا، أسعدك الله وأسعد والديك وكل أفراد أسرتك.
*اختصاصية اجتماعية – /الإمارات /دبي
>