العلم والأثر

بقلم / ماجد محمد الوبيران

أتساءل اليوم عن أثر العلم الممنهج في نفوس أبنائنا .. سألت طالبًا في المرحلة المتوسطة عن مكونات الجهاز الهضمي ؛ فلم يعرفها !!
كنا تلاميذ في المرحلة الابتدائية نأتي بالشفاف ؛ لنرسم الجاز الهضمي ، والتنفسي ، والبولي وغيرها ، ثم نعيد رسمها بالضغط على ورقة الدفتر ، ومن ثم نقوم بتلوينها .. مهمة بسيطة علَّمت معارف ومهارات متعددة ؛ عرفنا المكونات ، أتقنا الرسم ، قمنا بالتلوين ؛ فأصبحت لدينا ثقافة معلوماتية حياتية دائمة ؛ ما أزال أذكرها إلى اليوم .
وفي مادة القراءة والكتابة ؛ كنا ننسخ نص الدرس مرة ومرتين ؛ نكتب ؛ فنكتشف طريقة كتابة الكلمات ؛ فنتعلم الإملاء ، وتصعب علينا كلمة ؛ فنسأل عن معناها قبل اكتشاف الإنترنت ؛ كان السؤال والبحث هما الوسيلتان للمعرفة ؛ أدركت معها تلك المقالة التي تقول : إن خير وسيلة للقراءة هي الكتابة !
نكتب .. فنجد .. فنفكر .. ثم نبحث ، ونسأل ؛ فتكون المحصلة معلومات جمة ، ومهارات متعددة .
وفي الحساب كنا نعمد إلى شراء ما يسمى في ذلك الوقت بالعداد .. نحسب عليه مسائل الحساب ، وعمليات الجمع ، والطرح ، والضرب ، والقسمة .. كنا نلمس تلك الخرزات ، وباللمس صار لدينا ارتباط بتلك الوسيلة التعليمية التي نقلت لنا المعلومة بالإبصار وبالإحساس .
وفي مادة الجغرافيا عرفنا البلدان ، والعواصم ، والحدود ، والتضاريس ، والبحار .. رسمنا العديد من الدول ، وكنا ونحن نرسم نتخيل ، وكأننا نزور كل تلك البلدان التي ما تزال معلوماتها ثابتة في عقولنا ؛ لأننا تلقينا المعلومة ، ثم قمنا بترسيخها من خلال المذاكرة ، وزادها رسوخًا حين مارسنا مهارة الرسم ، وسمت الأذواق حين قمنا بالتلوين ؛ فالجبال بنية اللون ، والسهول خضراء ، والصحاري صفراء ، والهضاب برتقالية ، والمسطحات المائية زرقاء اللون .
تغير الزمان ، وهجم الإنترنت ؛ فغير العقول ، وبدل الأفكار ، وكان على الطلاب أن يعيشوا هذه المرحلة التقنية التي جذبتهم بألعابها ، ومرحها ، وترفها عن التركيز والممارسة في التعلم .
فصار الطلاب يتوسعون ذكاءً ، لكنهم ينحصرون إدراكًا ؛ ولذا فهم مطالبون في خضم كل هذا الزخم المعلوماتي الهائل بالبحث عن أنفسهم ، وعدم الاكتفاء بما يتلقونه من تعليم في المدارس كل بحسب سِنِّه .
يقول الروائي الكيميائي الروسي إسحاق عظيموف : أؤمن بكل ثقة أن التعليم الذاتي ؛ هو التعليم المُثمر الوحيد على وجه الأرض .
يجب على الآباء اليوم أن يحرصوا على توجيه أبنائهم إلى التعلم ، وعدم الاكتفاء بما يتلقونه من علوم ومعارف من خلال المدرسة .. وكذا الطلاب يجب أن لا يقصروا في حق تطوير أنفسهم ، وتنمية عقولهم ؛ وذلك من خلال شغفهم بالتعلم ، والإقلال من تعلقهم بهذه الألعاب الإلكترونية التي سيطرت على عقولهم ، وجُل تفكيرهم ؛ فصاروا يتقمصون شخصياتها الافتراضية ؛ فجعلوها صورًا شخصية لهم في حساباتهم التواصلية ، وأبدوا إعجابًا كبيرًا بها ؛ فصرفتهم عن التعلم المُركَّز ، وعن ممارسة الرياضة .
انضممت إلى مجموعة تلعب كرة القدم في أحد الملاعب ، وهي مجموعة فيها فئات سنية مختلفة ؛ فذُهلت مما رأيت من وهن تلك الأجساد الشابة الغضة التي بالكاد تدفع الكرة ، وبعضها ترى فيها اختلالًا في الجري وملاحقة الكرة !
يقول ويل سميث : أكثر الأمور قيمة في حياتي لم أتعلمها من المدرسة .
الحياة مدرسة التعليم الكبرى ، والوقت الآن يشهد انفتاحًا ثقافيًّا هائلًا ، وتعددًا لقنوات التعلم ، وتنوعًا في وسائل تقديم المعرفة ، ولا مندوحة للشخص أن يجعل كل هذا يمر ؛ فلا يُفيد منه .. بتطوير نفسه من خلال القراءة والاطلاع ، وتنمية المهارات ، وممارسة الرياضة العقلية ، والجسدية ؛ فالوقت لا ينتظر أحدًا ، وهو يمضي سريعًا ، ويحتاج إلى مواكبة لهذه السرعة ، ومقدرة في التعامل معها ، وطاقة هائلة للتركيز .. وكل هذا يتطلب استعدادًا بدنيًّا ، ونفسيًّا ، وعقليًّا ؛ ليتحقق للإنسان هدفه المنشود ، وتذكر دائمًا بأن العلم بلا أثر ؛ كالنفخ في الحجر !

 

شاهد أيضاً

الكتاب بين الورقي والتكنولوجيا

بقلم / أحلام الشهراني سيدي سيدتي في ظل هذا التطور التقني والانفتاح الثقافي الذي نعيشه …

5 تعليقات

  1. تكلمتَ بما يدور في صدري.
    بارك الله فيك.

  2. بندر المحجاني

    ماشاء الله تبارك الله
    أبدعت أخي الغالي

  3. كلام جميل جدا للعقول الراقيه
    ما شاء الله تبارك الله
    ذكرتي بالماضي الجميل ❤️😴

  4. عبدالله آل نملان

    الله يسعدك نقلتني إلى الزمن الجميل
    وعشت تفاصيل كنت قد نسيتها
    مبدع بكل ما تعنيه الكلمة

  5. أبدعت أستاذ ماجد ووفقت في طرحك فكل الامكانيات متوفرة والمعلومة من السهل الوصول إليها ويبقى الدور على المتعلم في استغلالها ،
    تقبل شكري وتقديري ..
    محمد آل مفلح

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com