نزاهة» وملايين الصحة
علي القاسمي.
تأسرنا اللحظات الأولى من مسلسل المطاردة الشهير بين حديثة الإنشاء «نزاهة» والسادة الخبراء «هيئات ومؤسسات وأجهزة الدولة»، تصنع لنا «نزاهة» برفقة هذه اللحظات تفاؤلاً هائلاً، على رغم أن صديقي طيب الذكر يردد بشغب وشغف مع أي مسلسل جديد «يا ليل ما أطولك»، نحب «مكافحة الفساد» كما نحن بالضبط نشجع «حماية النزاهة»، حتى وإن كان اجتماعهما حرِجاً في ملف عملي واحد، كون الشجاع «فساد» ينمو بسرعة في ظل اتساع رقعة «فواتح الشهية ( و)، مكملات النمو، «ومعاناة النزاهة من ما يشبه الفوبيا المصحوبة بفقر دم وطني.
أغلقت نزاهة قبل أسبوع تقريباً عامها الرابع من ساعة الميلاد، وكان كل المشجعين من حولها يقولون: «يا الله.. على بابك.. يا كريم»، فبدأت بفتنة الاستراتيجيات، والمنشورات، والتحذيرات، والتصريحات، تلتها البلاغات، والمطالبات، والمكاتبات، والملاحقات، وأخيراً المطبات والتراجعات الموقتة، نظير ما تتطلبه بعض الملفات من إعادة تحديث، وربما مراجعة حسابات لها علاقة بالكراسي لا الأوراق.
طالبت حبيبتنا الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) البناية العملاقة وزارة الصحة بإعادة مبالغ ضخمة تصل إلى ملايين الريالات التي صرفت من دون وجه حق بدلات لموظفين مشمولين بلائحة الوظائف الصحية، ومكلفين بأعمال إدارية في مختلف القطاعات، وفي ذلك مخالفة صريحة للنظام، وكسابقات مشاوير المطالبات فإن الجهة المطلوبة ستشرح المبررات، وتبدي موقفها بوصفه حقاً صريحاً من حقوقها، وتضع معه ما تيسّر من المواد النظامية أو المستندات التي تثبت نزاهة النفس في الأزمات والشكوك العابرة، لينتقل «الميكرفون» إلى نزاهة، فترفض المبررات وما تضمه من مستندات وأوراق وأحبار، وتصرّ على موقفها المبني على قاعدة أسمنتية صلبة، وبعد رحلة متوسطة المستوى للأحبار والأرقام، وتدرج ملاحظ في فهرسة المعاملة تذوب القاعدة الأسمنتية، ويطل ببراءة سطر «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح»، فنحن قوم لا يستصعب شيء من أحلامنا، لأن أسعدها ما لا نستيقظ منه إلا حين ننام.
تعتقد «نزاهة» أن موظفي الحكومة عبروا على موادها وأنظمتها واستوعبوها حد التمييز، بين ما يندرج تحت فساد، أو إخلال بالوظيفة العامة أو استغلال للنفوذ، وأنا متأكد من أن موظف الحكومة لا يعرف حقوقه الشخصية، ولم يدله عليها أحد فضلاً عن أن يسأل عنها هو، فأقصى ما يعرفه من حقوق ينحصر في اليوم الجماهيري الشعبي «الـ25 من كل شهر» الذي تتبارك الدعوات فيه، وتتوزع الابتسامات كما لم تتوزع من قبل، وليت أن «نزاهة» تعيد النظر في استراتيجية واحدة من استراتيجياتها، وتصل بهدوء إلى كل موظف من أجل تعزيز النزاهة في داخله، وشرح معنى الفساد باقتدار. فهناك فساد من فئة «كبار» وفساد «شباب» وفساد «ناشئين»، وأخيراً فئة «براعم». الفئتان الأوليان – حتى تاريخ كتابة المقالة – عليهما حفظ من الله وبرَكَات، وعندهما.. يُنشِد المواطن: أبشر بطول سلامة يا مربع! بينما يدخل عملاء الفئتين الأخيرتين في الحقيقة الخانقة.. «الضعفاء يُلاحقون، الأقوياء يسامحون، والأذكياء يتجاهلون».
نعود للعنوان ونقول: لا نريد المشي خطوة بخطوة مع هذه المطالبة، لكن هل انتهت المطالبة لمصلحة قوة «نزاهة»، أم ذكاء وزارة الصحة؟ الملايين التي يعبر بها الأذكياء ليست حكراً على وزارة الصحة، والقوة المبنية على الحقيقة الخانقة تضع التفاؤل – ببساطة – في مرمى، والفساد في مرمى مقابل، ولنا عبثية الفرجة وملل الانتظار فقط!>