عيرتني بالشيبِ وهو وقارُ ليتهـا عيرتني بما هـو عـارُ

بقلم – ظافر عايض سـعـدان :

قال تعالى :
(مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ )
كلُ نطفة مخلوقةٌ من تُراب ، واللهُ خلقنا لعبادته وحده ولطلب الرزق والأجر والثواب ، خُلقنا من تراب وسندفنُ في تراب ونُبعثُ من تراب ،مراحل بعضها يتلو البعض
فضلاً تأملوا الصورة ونطقوها كلٌ على شاكلتهِ
-ما أجمل تلك الصورة ! وأجمل بها من هـيـئـة !
-الشيبُ وقار للمؤمن ورمز حقيقي للرجولة
-في الصورة رجل ٌعجوز اتكأ على يده بذاكرة مملؤة بعوامل ومُعطيات الحياة مما جعل الرأس يشتعلُ شيباً
-رجل مُسن ظهرت تجاعيد الزمن على محياه في حالة اتكاء على يدهِ ويدور في ذاكرته زمن مضى مملؤ بما لذَّ وطاب
من معطيات الحياة ومن وجود أصدقاءمُتعددي المراحل العُمرية التي مرَّ بها هذا الرجُل العجوز سواء مرحلة الطفولة بأنواعها او بمراحل الدراسة عامة،إن كتب الله لـه دراسه
لكنهم تفرقوا في دروب الحياة المتعددة
وتفرقت بهم السبل ، فنجدُ أن اصدقاء وزُملاء المرحلة الثانوية
تفرقهم الجامعة ،وأصدقاء الجامعة يفرقهم التوظيف والعمل ،وأصدقاء مهنة العمل يفرقهم التقاعد ،كماهي حالتي الآن وأقراني -لكن بحمد الله لازالت الصداقة والود كشمسٍ وقمر
ونجدُ أن هناك صداقة لاتتأثر بشيئٍ مِمَّا تم ذكره سابقاً وتبقى بـقـاء حياة أصحابها مابقي اللحاءُ بالعود
وهي (صداقة الروح )
لايفرقها إلا الموت لأنها صداقة بداخلهـا ود وألفـة
لاتألف الروحُ إلا من يُلاطِـفُهـا
ويهـجُرُ القلبُ من يقسُـو وَيَجْفـاهُ

نعود لحالة ذلك العجوز المُسـن
فتارةً تجده يتمنى تلك الأعوام التي سلفت أن تعود ولسان حاله يقول:

إذا تذكرتُ أياماً لنا سلفت
أقولُ بالله يا أيامنا عودي

وتارة أخرى لايحب ان يستذكر تلك السنوات التي خلت ،وهناك ياسادة
يا كرام فرقٌ من حيث المعنى بين
( كلمة عام – وكلمة سـنة )
-حقاً الجلوس مع مثل هؤلاء مِـن مَن ملأ الشيبُ رؤوسَهـم وأخدت جفونهم الشكل الحلزوني ،وقرب البعيد لديهم ، وتفرقوا الجماعة من حولهم ،وأصبح الإثنان لديهم ثلاثة، نعم الجلوس معهم فرصة ومكسب لمن يريد تجارب وثقافة
تجد عندهم وتسمع الخير اليقين
يعطونك ويحكون لك قصص من حياتهم التي مرَّوا بها حلاوة – ومُرة
-نعم يقدمون دروساً بالمجان في الهواء الطلق لمن يريد أن يستفيد ويعتبر
لكن هناك الكثير الكثير من الناس من يجهلون مكانة هؤلاء وما مقدار الإرث الذي يحملونه في ذاكرتهم وقد يكون مدوَّن في مذكرات بعضهـم
تأملوا في قول الشاعر :
اجلس مع اللي راسه الشيب ماليه
واللي تجاعيد الزمن في جفونه
يعطيك من خبرة حياته وماظيه
درساً كثير من البشر يجهلونه

او قد يكونُ ذلك الإرث موجود في مساكن بعضهم التي كانوا يسكنون بها والآن أصبحت أطلال بعد رحيلهم تخفقُ الرياحُ بأبوابـهـا
ولربما بعابر ي سبيل كانوا قد اعتادوا
أن يطرقوا أبوابهم مرؤة وكرامة وكأنني بهم عاودهم الحنين لطرق تلك الأبواب
التي لايوجد بها احد الان
وقد أجابهم الشاعر العراقي
عبد الرزاق عبد الواحد عندما قال لهم:

يا طارق الباب رفقاً حين تطرقه
‏فإنه لم يعد فى الدار أصحابُ
‏تفرقوا فى دروب الأرض وانتثروا
‏كأنه لم يكن أنس وأحبـابُ
‏إرحم يديكَ فما فى الدار من أحدٍ
‏ لا تَرجُ رداً فأهل الود قد راحوا
‏ولترحمَ الدارَ لا توقظ مواجعها
‏ للدور روح كما للناس أرواحُ

طـبـتـم جميعاً ودامت مودتكم .
١٣- ١١- ١٤٤٢هــ

شاهد أيضاً

كم كنت عظيماً يا ابي

بقلم : د. علي بن سعيد آل غائب بمناسبة الذكرى الخامسة على رحيل والدي رحمه …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com