بقلم/جمانة ثروت كتبـي
(أن تُفلت يدك) عنوانُ كتابٍ نُشر بعد وفاة صاحبته، فما القصة؟ ٢٦ مقالًا من مدوّنات الراحلة هناء الماضي -رحمها الله- بعضُها تلخيص من مقروءاتها، والبعض الآخر سكبتْ فيه تجربتها أو شيء من واقعها، فتنوّعت بذلك بين مقالات عن الفكر النِسوي، ومقالات عن المرأة، ومقالات عن النفس، ومقالتين عن الفكر الذكوري -الطرف النقيض للنسوي-، وأخيرًا أربع مقالات موسومة بالإسلامية. قامت صديقات هناء بجمعها ونشرها في كتابٍ مطبوع بعد وفاتها.
الجدير بالذكر أن هناء رحمها الله توفيت في بداية العشرينات كما فهِمتْ، ومع ذلك أبقَت من خلفها سطورًا حسنة، اسأل الله أن تكون ذخرًا لها في ميزان حسناتها، فقد بذلتْ من الكلمة ما أرادت به نفع بنات جنسها تحديدًا.. فأكثرت من التحذير من النِسوية بحسب ما بلغها من العلم، وأفادت بما تعرف في وقتٍ سهُلت فيه الكتابة في الجيد والسيء ومن الصالح والطالح، فكان أن وضعت سهمًا في الجيد والمفيد ثم رحلت بقَدَر الله.
فيؤخذ من هنا أن يضع الإنسان بصمته فيما يجيده، على أن يحتكم في صنعه وبصمته إلى ميزان الله وتقواه، فيعلم أن هذه البصمة له غُنمها وعليه غُرمها. والداعي للمعاجلة بعد تحقق هذا الاحتكام أن المرء منا لا يدري متى الأجل؟ وهل سيُمد له في عمره حتى يحقق الأثر الذي أجّله إلى فيما بعد من الأوقات أم لا؟ ويؤخذ من هذا أيضًا أن يحرص الإنسانُ في حياته على تخيّر الرفقة الطيبة التي تعين صاحبها في حياته على الطاعة والخير، وتسانده بعد وفاته على استبقاء أثره الطيّب، فما كل المتوفين ذَوي ذرية! فمَن لهؤلاء غير الأهل الطيّبين والأصدقاء المخلصين؟
ويؤخذ من هذا كذلك أن ليس المطلوب من كل الناس يتألّقوا بأنواع المخترعات والكتابات والإنجازات العبقرية! بل المطلوب من الفرد المسلم أن يبذل ما بين يديه، كُلٌ في ثغرٍ ومجالٍ، فهناك الأم الساهرة المربية الـمُرهقة بمواجهة تحديات التربية، وهناك المعلم المشغول بإيجاد حلول لجديد هموم طلبته، وهناك الطيب الذي يسعى للإصلاح بين الناس من أهله وجيرانه، وهناك ذات المال الحريصة على تفقّد الناس وكفايتهم بمالها، وهناك الكثير والكثير مما يحتاج منا فقط لانتباه واختيار المكان المناسب.
أما هناء فجعلت همّها ما تعرفه من أبناء وبنات عمرها من الشباب والفتيات الذين تتخطّفهم مواقع التواصل، وشبكات الأفلام، والحسابات المروّجة للانحرافات، وإلى آخر القائمة… فجعلتْ قلمها وحساباتها في ذلك. واختصار الأمر من كلام هناء: “شباب الأمة مسؤوليتنا نحن، أهل بيتك أمانتك، جارك إذا أخطأ تذكيره مهمتك، زميلك، معلمك، شخص عابر لا تعرفه.. كن لهؤلاء القوة، مهما عصفت بك وبهم الدنيا، ولا تكن خادمًا للأعداء بتوانيك السلبي، وشعورك بقلة اليد، مهما وصل ضعفك.” ص١٧٥-١٧٦.
قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [سورة يس:12] “أي: نبعثهم بعد موتهم لنجازيهم على الأعمال، {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} من الخير والشر، وهو أعمالهم التي عملوها وباشروها في حال حياتهم، {وَآثَارَهُمْ} وهي آثار الخير وآثار الشر، التي كانوا هم السبب في إيجادها في حال حياتهم وبعد وفاتهم، وتلك الأعمال التي نشأت من أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، فكل خير عمل به أحد من الناس، بسبب علم العبد وتعليمه ونصحه، أو أمره بالمعروف، أو نهيه عن المنكر، أو علم أودعه عند المتعلمين، أو في كتب ينتفع بها في حياته وبعد موته، أو عمل خيرا، من صلاة أو زكاة أو صدقة أو إحسان، فاقتدى به غيره، أو عمل مسجدا، أو محلا من المحال التي يرتفق بها الناس، وما أشبه ذلك، فإنها من آثاره التي تكتب له، وكذلك عمل الشر.” تفسير السعدي.
جمانة ثروت كتبـي
السبت 29 / 4 / 1443هـ