عسيريات

بقلم. أحمد عسيري

من أشهر أسواق عسير الأسبوعية سوق ( الثلاثاء) بأبها ، هو جزء من هوية هذه الفاتنة
أبها ،عاش معها وعاشت معه طفولة وجودهما ، وجمال حياتهما وصباهما ، صنعا معا
زاد الذكريات وترجيعات الماضي ،وبريقه الغامر ، كان السوق منعكسا لكثير من الكتابات

ومسرحا لكثير من الحكايات والروايات ذات الألفة الدافئة والشغف الجياش ، والحب

الوجداني الأنقى ، يقول الشاعر الراحل ( تركي العصيمي ) :

فديت التي يوم الثلاثاء أعرضت ………لأنا تلاقينا على غير موعد

أ لاحظها في السوق حتى إذا مضت ……مضيت أعاني حيرتي وترددي

وقفت وقد نام الخلائق رانيا ……إلى الأفق الداجي بطرف مسهد

ووليت قلبي شطر أبها وأهلها ……ووليت شطر البيت وجهي ومسجدي

لقد خصها الباري بحسن طبيعة ……فليس عليها للحضارة من يد

سوق أبها قديما يبدأمن يوم (الاثنين ) حيث يصل (اللقاي ) صباح ذلك اليوم ، ليملأوا فضاءات وساحات السوق ،وبالذات القادمين من القرى والتهائم وساكني البوادي ،(باعة ومشترين )يبدأ الباعة نصب خيامهم الموقته ، وهي من الكتان (الخيش )الذي تصنع منه الأكياس الكبيرة ،حيث يقيمونها بأحجام صغيرة ، وبمسافة قصيرة عن (المدكنة ) التجار ، في مشهد أفقي غاية في الترتيب والنظام المتوالي ،(ملبوسات ،صناعات وحرف ، أدوات زراعية ، باعة السمن والعسل ، مباسط النباتات العطرية ، مسعارة الحب وباعة القهوة والتمور ، الأثاث المنزلي ، مجلبة الماشية
والأعلاف والحطب والفحم والقطران ، تنك الخريف من الفواكه والثمار سوق الفضة والحلي) ، وغيرها من مظاهر البيع والشراء وتبادل المنافع ، يسترعي انتباهك في السوق طغيان اللهجات العامية المتماسكة ، والمستوى الصوتي لها ،مما يقودك للاهتداء لمعرفة أهلها وديرتهم من خلال التعبير اللساني والنسيج اللفظي ، ونبرتها الإيقاعية المتعالقة مع الفصحى ، ما دفع الأديب (عبدالله بن خميس ) رحمه الله لالتقاط تلك المفردات وتقعيدها من خلال سليقتها وعاملها البيئي ، والتأكيد على أنها من فصيح العامة، كما تسمع في السوق مصطلحات المكاييل والموازين(صاع ،مد ،ربعة ،ثمنة ،أقة ،فراسلة ،ربعية ،هنداسة ،كورجة ،دستة ، كمانة ،عيبة ،فرق ) سرت ذات يوم من أيام السوق ، لكون جدول المدارس في يوم الثلاثاء نصف الحصص فقط ،لكي تلحق تتسوق وتشتري ما تحتاجه ، سرت خلف رجل يملك حنجرة جهورية عابرة للأحياء وأطراف السوق ،وكان إلى جواره رجل مقيد القدمين بالسلاسل الحديدية ، ومعلق برقبته (صفيحة )مفتوحة ،وكان المنوه كما يطلقون عليه أهل السوق ،يدعو لمساعدة الرجل في دفع (الدية )وإنقاذ رقبته من القصاص ،وكم أذهلني إقبال الجموع من (المسوقة رجالا ونساء )لمساعدة الرجل وإخراجه من محنته وهمه ومصيبته ، فكانوا يلقون ما تجود به نفوسهم الأبية في الصفيحة ،ثم يعودون لمباسطهم وتجارتهم ، في مشهد تكافلي أخاذ ،وعاطفة فطرية صادقة ، وكانت الدية متواضعة ومعقولة ،وليس كما نسمع الآن ، أما (المنوه )ففي معاجم اللغة العربية ،هو من(دعا بصوت مرتفع ،وفي الصحاح نوهته تنويها إذا رفعته ونوهت باسمه )يقول معمر من أبناء المنطقة :لحقت بالمنوه أو المنادي في سوق الثلاثاء وهو يشهر بشهود الزور ،وقد طليت وجوههم بالسواد وهو ما يطلق عليه في الشريعة (التسخيم )فشاهد الزور عقوبته عند أغلب جمهور الفقهاء تسخيم الوجه ، والتشهير به بين الناس ،ويطاف به في الأسواق ، يقول الصديق الدكتور (شاهر النهاري )كان المنوه يحضر من قلعة أبو خيال ، فالكل يعرفه ويميز ( حنة ) صوته ، وكان يتم تكليفه من قبل الإمارة بالتبليغ عن أي قرارات أو جزاءات أو عقوبات ، فيمتطي ظهر حماره ويدور به في أرجاء السوق ،ويتلو البلاغ بصوته العالي المتميز ،وعلى المستوى الشعبي كان يكلف بالإبلاغ عن الصغار إذا ضلوا أو تاهوا ، والإبلاغ عن ضياع الماشية والأغراض المفقودة ،كما يبادر بنشر أخبار القبائل والأحكام القضائية وأحوال الطقس ،والأمطار والسيول ،ورفع الراية البيضاء أو السوداء ، أو يتلوا بعض المواعظ والنصائح والإرشاد ، أو يطلب المساعدة لأحد المعسرين أو أبناء السبيل .

شاهد أيضاً

صداقات مؤثرة: 
 
تأثير الأصدقاء السلبيين على صحتنا العقلية وكيفية بناء علاقات صحية وإيجابية”

بقلم : سعاد الغامدي الصداقة هي علاقة قيمة تجمع بين الأشخاص على أساس الثقة والاحترام …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com