تقاسيم (احتكار التراب)
الصدى الشعبي الكبير الذي لقيه قرار فرض رسوم على الأراضي البيضاء يجيب عن واحد من أهم الأسئلة التي تشغل بال المواطن، وحاول مجبراً أن يتناسى الإجابة المناسبة لها، وإن كان هذا السؤال أضخمها في الإطار العام على رغم قصره إذا ما طُرِح على طاولة نقاش، «نص السؤال: متى أمتلك منزلاً؟»، امتلاك المسكن يتربع على واجهة الأحلام للمواطن السعودي وهو يقدر كثيراً عملية الجمع مؤمناً أنها أهم عملية نحو تحقيق الحلم، ولكنه مصاب بتطفل عمليات الطرح والقسمة للحد الذي باتت حياته مستعصية على ممارسة عملية الجمع والاستئناس برصيد الحسابات المصرفية إلا إذا كان الجمع متعلقاً بالحكاية الأشهر للمواطن، فئة متوسط الدخل وأقل، وهي «جمع القروض والديون والفواتير الواجب دفعها كل شهر».
يعتبر «احتكار التراب» مشروعاً خيالي المكاسب وأفضل مشروع استثماري على الإطلاق، لأنه المشروع الذي يجعل الورق الأزرق خير من يتحدث عنك، وإن كان هذا المشروع محسوم النهايات، لكنه مجهول النهايات في ظل أن الجملة التي تربينا عليها وبلعنا معها كثيراً من الأمنيات أن العقار هو الابن البار، ومن وعلى هذه الجملة بني الاحتكار وإدمان التراب.
قرار فرض الرسوم مع تقديري للتوسع الهائل الباكر في التحليلات والتوقعات والتخيلات يمكن اختصاره في أنه حل عملي لتحفيز المستثمرين أو المحتكرين لتفعيل المساحات المتوافرة بين يديهم، بما يناسب وحل أزمة السكن والمساهمة في تقديمها بصفتها منتجات سكنية متفاوتة المواصفات، ولعل الأرقام التي تتوفر بين يدي الآن تتحدث عن نفسها، وتشرح كيف أن مشوار العلاج لا يزال في البداية، وثمة حجار في الطريق ستستقطع بلا شك وقتاً ليس قصيراً في أعمال الإزالة والمواجهة.
تتحدث الأرقام عن أن ما نسبته 50 في المئة من مساحات الأراضي العمرانية في مدننا الكبرى أراضٍ بيضاء المساحة، وتقول إن ما يقارب من 620 ألف مواطن يستحقون السكن وفق وزارتنا طيبة الذكر «الإسكان»، وأن هناك أيضاً زيادة بمعدل 130 في المئة للإيجارات في السنوات الأخيرة، فيما ارتفعت أسعار الأراضي لـ60 في المئة، مع قناعتي بأن الرقم الأخير قفز بلا سقف وتحمل المواطن تبعاته في مسلسل الارتفاع الأشهر في السنوات الماضية، ولا يصلح أن نسأل في ظل التفاؤل المصاحب والأمل المتصاعد بقرار الرسوم عن شيء مضى، وإن كانت أسئلة الشيطان تطل، فتقول: هل هناك قائمة بمكتنزي الثروات من بطن هذه الأراضي البيضاء؟ ومنذ متى؟ ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل سأقفز كسعر أرض في مدينة كبرى إلى سطر جديد.
وزارة الإسكان وزارة ولدت لهدف رئيس ذي مداخل عدة، لكنه بمخرج نهائي واحد صريح ومختصر في بضع كلمات، ولا ينتظر منها المواطن سوى الهدف المخرج بغض النظر عن خطة اللعب أو المداخل المتعددة. قرار فرض الرسوم سيضيء لها طرقاً مظلمة تؤدي لرسم الهدف بدقة أكثر، لا سيما وأن رسم الوزارة منذ تاريخ الولادة حتى الآن رسم على الورق أو يغري على صعيد الأرقام لا المشاهدات، وأنا حين أقول إن هذا القرار يخدمها، فذاك لأن الوقت كافٍ ما بين التطبيق الفعلي لقرار رسوم الأراضي وبين «الجلوس على ركبة» من وزارة الإسكان، للتصدي لأزمة السكن بنتائج مذهلة في ظل أن هذه الأزمة أنتجت وزارة أقامت المواطن ولم تقعده جيداً، لا على قرض ولا أرض فضلاً عن مسكن جاهز!>