بقلم / سميه محمد
طمع الإنسان و غيرته و رغبته في الإنتقام جعلته ينزل بإنسانيته إلى الحضيض ويكون أحط من الوحوش التي قد تكون لديها رحمة بينما هو نزعت الرحمة من عنده بالتدريج بداية تفكيره في القتل و السعي إلى التنفيذ بطرق مختلفة و من بين هذه الطرق ( السم ) الذي تعددت أشكاله و أختلفت اماكن
و جوده و تنوع مفعوله و اثره اضافة إلى كيفية و ضعه في جسم الضحية ..
فقد يستخرج من أنياب ثعبان تعيش في وسط صحراء قاحلة ، و قد يكون في زهرة قطفت من قمة جبل نبتت في ثنايا شقوقه ، و قد يوجد في بعض انواع الفطر ، أو على جلد ضفدع صغير يؤدي مجرد لمسه إلى الموت المحتم دون احتمال للنجاة ، أو يستخلص من سمكة سامة تختبىء في اعماق البحر تترصد للأعداء ..
أستخدم العرب السم منذ القدم و أشهر استخدام لهم عند الحروب الطاحنة و كان ذلك عن طريق تسميم السيف بوضعه في وسط نار مشتعلة حتى يصبح حامياً ثم يسكب السم على السيف ويترك حتى يبرد و بذلك يضمن صاحب السيف قتل عدوه و لو بوخزة بسيطة من سيفه ..
تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الى محاولات للقتل أكثر من مرة من بينها محاولة اليهودية زينب بنت الحارث بعد معركة خيبر التي قتل فيها زوجها وأبيها عمدت إلى طبخ ثم تسميم شاه كاملة بالسم و زادت منه في حشو الذراع عندما علمت ان الرسول صلى الله عليه وسلم يفضل لحم الذراع فذهبت إلى بيت الرسول صلى الله عليه وسلم وانتظرته حتى جاء مع نفر من أصحابه فاستغرب الرسول صلى الله عليه وسلم
و قال : ماهذا
فقالت : هديه
لعلمها ان الرسول صلى الله عليه وسلم يقبل الهديه و يرفض الصدقة
فقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فدعى من معه إلى الأكل
فأكل منها شيء بسيط فلم يستسغ طعمها
كذلك أكل منها بشر بن البراء
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أرفعوا ايدكم فأن الشاة تقول لي : أنها مسمومة
مات بشر بن البراء من وجع السم
وظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوجع إلى ان خف هذا الوجع لكن ظل يأتيه على فترات وفي وقت أحتضاره صلى الله عليه وسلم قال لعائشة :
ياعائشة ماأزال اجد ألم الطعام الذي اكلته في خيبر ..
كذلك استخدم للتخلص من امراء وخلفاء العهد الأموي و العهد العباسي ..
تفنن اليهود في فترة دولة الأندلس باستخراج السم و صناعته و كانوا يستخرجون الترياق من السم نفسه لأنهم كانوا مجبرين ان يتجرعوا السم مع العدو في جلسة صلح من الظاهر اما في الباطن فهي تتدرج تحت عنوان الخسة و الغدر ..
من بين السموم الذي استخدم عبر التاريخ الزرنيخ وقد اطلق عليه بمسحوق الورثة للتخلص من وريث في العائلة غير مرغوب فيه من الجميع ليقتل ثم يقسم ميراثه على الجميع زيادة بعد دفع مستحقات بائع السم ..
تحتوي بعض بذور الفواكة على سم السيانيد القاتل كالتفاح و المشمش و الخوخ و الكرز ،
كانت تجمع كميات كبيرة منها وحين يتناولها المغدور بطريقةما تصل إلى معدته فتتفاعل مع ماتفرز المعدة من انزيمات و أحماض للهضم لينتج سيانيد الهيدروجين السام
و بالرجوع إلى تاريخ مصر القديمة الفرعونية كان لكهنة المعابد أسرار كثيرة مخجلة و لا يريدون لأحد من العوام ان يعرف هذه الأسرار فكانوا يستخرجون من بذور المشمش السم و يقومون بتسميم كل من يفشي أسرارهم ..
وقد اطلق على السم في إحدى الحقب من التاريخ بسلاح النساء و اصل الحكاية في إيطاليا حيث كانت الإيطالية جوليا توفانا و التي كانت تعيش في القرن السابع عشر تعد سماً من خلال بيعها اكوفانا وهو سم قوي لايمكن إكتشافه وتبيعه لزوجات غير سعداء في عبوات مستحضرات التجميل النسائية ، وقد تم إعدامها بعد أعترافها بذلك و بأنها تسببت في قتل (٦٠٠رجل) ..
تطور السم بشكل خطير و مميت موتاً محقق فقد كان عبارة عن سم زعاف ، أما في الوقت الحاضر فقد اصبح معظمه عبارة عن إشعاعات إن لم تقتل شوهت و عذبت ، وقد يكون المسموم عبارة عن جثة لا تعي بشيء من حولها وينتظر الأطباء توقف القلب حتى يتم استخراج شهادة الوفاة الرسمية التي تثبت انه توفي و لم يعد على قيد الحياة ..
الترياق :
هو مضاد لسم الثعبان و غيره من السموم .
وهي مادة يمكنها أن تعاكس أثر السم و تعطى للمصاب عن طريق الحقن .
وكل سم له نوع مختلف من الترياق ينتج بحقن السم في حيونات أليفة و الأستعانه بدمها لصناعة المصل ..
ومن الواجب علينا بعد معرفة معنى الترياق ان نعرف معنى شعار الصيدلية و هو الثعبان الذي يلتف حول كأس و يرجع اصل هذا الشعار إلى قصة يونانية او بالأحرى أسطورة يونانية تحكي ان بطلها الحكيم أسكيلوبس الذي كان يبحث عن عشبة تعيد الحياة إلى الموتى فسافر من أجل ذلك مشياً على أقدامه و كان يتكأ على عصا و في طريقه رأى ثعبان ميت و ثعبان آخر يخرج له عشبه و يضعها في فمه فتعود له الحياة .
و بذلك أصبح أسكيلوبس يعرف سر الحياة عن طريق الثعبان فأتخذ شعاره العصا التي تلتف الثعبان حوله لأنه أصبح يعالج المرضى بلمسة من العصا او من الثعبان الذي يلتف حول العصا .
أما أبنته هيجا التي كانت تساعده و تقوم باعطائهم الأدوية بعد مرحلة علاج أبيها لهم فقد أتخذت شعار الثعبان الذي يلتف حول كأس .
والجدير بالذكر أنه أتخذت من العصا الملتفة حولها ثعبان رمزاً للطب و الصيدلية على مستوى العالم لسنوات طويلة لكن بعد أنفصالهما وتخصص كليهما في مجالة أصبحت العصا التي تلتف حولها الثعبان رمزاً للطب أما الصيدلية فقد أتخذت من الثعبان الذي يلتف حول كأس رمزاً لها .
وهناك من العلماء من يقول ان رمز الصيادلة يرجع إلى أبن سينا الذي أدرك في فترة من فترات حياته ان الفئران هي السبب في أنتشار مرض الطاعون فنصح الناس ان يقتنوا بعض الثعابين السامة كذلك غير السامة كي تهجم على الفئران و بالفعل حدث هذا و قل مرض الطاعون حتى تلاشى .
ودور العرب بارز في مجالات الطب والصيدلة و الكيمياء و لا احد يستطيع أن ينكر ذلك مهما حاول
والكل يشهد لهم بذلك و قد اعترف الغرب ان معظم علومهم الطبية مستمدة من العرب ومن كتبهم و ما استخدموه من ادوات ومواد سواء في الطب او الصيدلة .
العرب لهم السبق و التقدم فهم مكتشفوا الحمضيات و القلويات وابتدعوا مركبات جديدة كالكحول وحامض الكبريتيت واكسيد الزئبق ، وأدخلوا عدد كبير من العقاقير النباتية في المجال الطبي و التي كان يجهلها علماء الإغريق و الدول الأوربية .
و بشهادة الجميع العرب هم الذين من أوصلوا علم الصيدلة بالصورة الحالية التي هي عليها الآن فهم أول من رتب الأدوية و نظموا أستخداماتها وعرضها بطرق منضمة.
في الوقت الذي كان فيه العرب يبني المستشفيات و يشجع الاطباء ويوفر الأدوية للمرضى و تزدهر بالعلم و محبيه كانت أورباو غيرها يعيشون في ظلام الجهل و التشتت
فكان المريض يموت في الطريق دون أن يهتم به أحد و لم تكن لديهم مستشفيات مستقلة بل غرف منعزلة في كنائسهم رديئة إن لم يكن لدى المريض مال يقدمه لمن في الكنيسة فسيظل يعاني حتى يفارق الحياة فيكفي ان تقضي عليه الحالة النفسية السيئةالتي زادت من تدهور صحته هذا إن لم يقموا من يشرفون عليه بمنع الطعام و الشراب عنه فيموت من الجوع و العطش ..
نعود إلى فك رموز العصا و الكأس والثعبان التي تلتف حول كل منهما
فترمز عصا أسكيلوبس إلى فن الطب و الشفاء .
ترمز الثعبان إلى العلاج بينما الكأس يرمز الى كيفة أخذ العلاج عن طريق الفم .
قيل أن سم الثعبان هو من البروتينات التي لها مفعول الشفاء اذا تناولها المريض عن طريق الفم كما لها مفعول سام و قاتل أذا دخلت إلى مجرى الدم بشكل مباشر عن طريق العض مثلاً .
كذلك قيل ان الثعبان نفسه عندما تتخلص من جلدها القديم و تستبدله بالجديد رمز لولادة جديدة وحياة مديدة أضافة إلى أن سم الثعبان يعتبر ترياق للسموم الأخرى وكما قيل داوها بالتي كانت هي الداء ..
هناك سموم خطيرة من نوع آخر و هي الأخطاء التي يرتكبها الشخص في حق نفسه في أرتباطه بالعلاقات المسمومة بأشخاص لايستحقون يقدم لهم كل شيء و يضحي براحة باله و لايجد إلا نكران الجميل .
سم الماضي الذي يلتف بذكريات مؤلمة و قاسية في تفكير الشخص حتى تمنعه من ان يعيش حياة طبيعية .
سم الصديق الوهمي الذي يبقى معك حتى يعرف أدق تفاصيلك و يقع على عيوبك فأذا حانت الفرصة كشف سترك و فضحك و تلذذ بشماتته بك .
سم قريب منك تظن أنك تعتمد عليه و تثق فيه لكن مع أول مشكلة لاتراه حتى و هو يغادر .
سم كلمة لا أستطيع من غير ان تخوض التجربة .
سم التسويف و تأجيل الأعمال حتى أشعار آخر .
سم شماعة الأخطاء التي تخترعها لتوهم نفسك بأنك على صواب دون ان تنظر إلى نفسك و تعترف بأخطائك وتسعى لتصحيحها .
سم معاقبة نفسك و جلد الذات دون ان تحبها و تعطيها فرصة للراحة مع أن نفسك هي أكثر من يقف بجانبك و يتحملك في جميع حالاتك .
سم العاشق الذي يكون عشقه من طرف واحد
فمن يعشق قد يكون مجنون وهو واسع الفكر
قد يكون أعمى و هو حاد النظر
قد يكون عطشان و هو واقف يتساقط عليه المطر
قد يكون عاجز و هو صحيح الجسم قادر
قد يكون سجين و هو كطائر حر
قد يكون مجبور و هو صاحب قرار
قد يكون معذب و هو يستمتع لهذا الأختيار
قلب دنيا كاملة من الحب متناقض متضارب
و سيبقى يحب مهما حمل من ذنب وإن كان ليس له ذنب ..
تطور السم بشكل مبهر واستخلص منه الترياق الشافي في الطب
وتطور السم بشكل رهيب و مخيف كسلاح في الحروب و تصفية الحسابات ..
وأختم بهذه الحكاية التي حدثت في الزمن القديم لأخذ العظة و العبرة .
كان هناك طبيب عربي لدية خبرة و علم في جميع نواحي الطب ويأتيه المرضي من جميع بقاع الأرض طلباً للشفاء على يديه بإذن الله ،
وجائه بعد ماتقدم في العمر شاب في الثلاثين من عمره وطلب منه أن يتعلم الطب على يديه ففرح الطبيب لأن علمه لن يضيع وقد جاء شاب يقدر هذا العلم ويريد ان يتعلمه فقام الطبيب بتعليم الشاب جميع علوم الطب لسنوات طويله و كان مقيماً عنده ويرى الطبيب كيف يعالج المرضى بشكل عملي أضافة إلى الدروس المكثفة عن كل مايخص علم الطب و لم يبخل الطبيب بشيء في تعليم الشاب وكان يعتبره كأبن له ،
وبعد ماتعلم الشاب الطب واتقن السهل والصعب فيه طغى و تكبر والأدهى أنه طمع بمكان أستاذه الذي علمه كل شيء زيادة دون نقصان ،
فطلب من أستاذه ترك مكانه له
فغضب منه الطبيب وطلب منه البحث عن مكان آخر و المرضى هم من يختاروا عند أي طبيب سيذهبون ،
ولكن الشاب لم يقتنع بكلامه فأخبره أن هناك طريقة واحدة ان كل شخص منهما يسم الآخر و الذي ينجوا من السم يفوز بالمكان و مهنة الطب أما الخاسر فيخرج من المنطقة كلها فوافق الطبيب على ذلك
فأتفقوا على أن يلتقوا بعد عشرة أيام وان يجرب الطبيب سمه على الشاب أولاً ،
التقوا بعد ذلك فأخرج الطبيب ثعبان فلدغت الشاب فذهب الشاب مسرعاً إلى بيته و اخذ يطبب نفسه فقد شرب تريقاً للسم مما أبطأ مفعوله وشق مكان لدغة الثعبان وأخذ يمتص سمها قبل ان تجري مع دمه فإن حصل هذا وصل السم إلى قلبه و أصبح موته وشيكاً لذلك تصرف بسرعة و استطاع ان يتخلص من سم الثعبان واصيب بحمى خفيفة بامكانه السيطرة عليها .
في اليوم التالي ألتقى الطبيب و التلميذ فأخرج التلميذ عقرب فاطمئن الطبيب و قال في نفسه : مجرد عقرب يمكنني ان اعالج نفسي منه
فلما لدغ العقرب الطبيب مات على الفور
قبل العشرة أيام السابقة اصطاد التلميذ عشرة عقارب ووضعهم مع بعض فأخذ كل عقرب قوي يأكل العقرب الضعيف حتى بقي عقرب واحد أقوى بعشرة مرات و سمه زعاف بعشرة اضعاف فغلب التلميذ استاذه لكن بالغدر و نكران الجميل لذلك لم يكن هناك فرصة للطبيب ان ينقذ نفسه من سم خيبة الأمل وضياع المعروف و سم عقرب قاتل دسه له تلميذه الذي أعتبره كأبن له ووريث له في علم الطب ،
وبهذه الطريقة الخالية من الشرف تمكن التلميذ من أخذ مكان أستاذه و مهنته و شهرته ،
ولكن الأيام دول و سيعيد التاريخ نفسه و لكن بطريقة يدبرها الله ينتصف فيها للمظلوم و يأخذ حقه من الظالم ولو بعد حين .