الشعر جمال وفخر

بقلم / سميه محمد

الشعر مجموعة احاسيس و مشاعر تنبع من قلب شخص قالها في مناسبة أثرت فيه و وتعرض لها و عايشها .
ويعتبر الشعر ديوان علم و تاريخ به يأخذ و يستفاض منه كشهادة و برهان ، كذلك هو كالسلاح فجميع القبائل تخشى الهجاء لأن الشاعر اذا هجاها تصبح سمعتها في الحضيح و تضيع كرامتها ففي عصر الجاهلية بالتحديد اذا غارت قبيلة على اخرى و اكتشفوا أن هناك مال لشاعر أستولوا عليه يردون مال الشاعر على الفور خشية هجائهم ، و يعتبر الشعراء بمثابة الأمراء والملوك لهم قدرهم الرفيع ومكانتهم المرموقة .
فأما ان يكون نوع الشعر مدح
كزهير بن أبي سلمى عندما قال يمدح هرم بن سنان :
قد جعل المبتغون الخير في هرم
و السائلون إلى ابوابه طرقا .
و اما ان يكون غزل كقول جرير :
ان العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا .
أو هجاء
كهجاء حسان بن ثابت لبنو عبد المدان
لما أفتخروا بطول اجسامهم في حضور الرسول صلى الله عليه وسلم :
لابأس بالقوم من طول و من عظم
جسم البغال و أحلام العصافير .
أو حكمة
كقول طرفة بن العبد :
ستبدي لك الأيام ماكنت جاهلا
و يأتيك بالأخبار من لم تزود
و اما رثاء
كقول متمم بن نويرة :
فلما تفرقنا كأني و مالكا
لطول افتراق لم نبت معا
واما وصف
كوصف امرؤ القيس لحصانه :
له أيطلا ظبي و ساقا نعامة
وإرخاء سرحان وتقريب تتفل ..
إن الشعر رمز و ميزة و له مكانة كبيرة خاصة في العصر الجاهلي فأنه يسمو و يرتفع كانه سحاب .
تجعلك كلماته كأنك في بحر صافي لا شطأن له و تستعذب النظر إليه .
إن الكلمات التي يقولها الشاعر بقلبه ليست مجرد كلمات بل عطر يفوح بأريج لا ينتهي ،
و عسلاً يقطر على شرفات الروح ،
و حمامة تطير لتنشر السلام في كل مكان و ترمي من ريشها الأبيض الجميل لتنشرح بها القلوب الحزينة ،
و مثل نسمات جميلة مريحة تشفي القلب العليل .
تأمل لقول الشاعر :
ياتوت ياتين ياعنب
يادر يامسك ياياقوت ياذهب
و شاعر آخر يقول :
بدت قمراً و مالت غصن بان
و فاحت عنبراً و رنت غزالا
شاعر ثالث يقول :
وقد نبه النيروز في غسق الدجى
أوائل ورد كن بالأمس نوما .
أيعقل أن يقول مثل هذه الكلمات ذات العذوبة بشر !
نعم من البشر لكنهم متميزون عن غيرهم بالحس المرهف و اي كلام لن يوفي وصفه فهذا النوع من الشعر يحتضن في طياته الجمال الأخاذ ويشهد الجميع بانه الشعر الحقيقي الذي بدأ بعصر الجاهلية و تربع على قمة جبل شامخ لايمكن لأي ريح ان تهزه وسجل على صفحات التاريخ بكل جمال و فخر .
تحدى الله فصاحة العرب و شعرهم بالقرآن الكريم الذي انزله من فوق سبع سموات عن طريق جبريل عليه السلام الذي لقنه لخاتم الأنبياء و المرسلين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، القرآن الكريم فيه كلام الله الحق وآياته البينات وبحر العلم الذي لاينتهي من المعلومات و التشريعات و الإستكشفات العلمية الصادقة كلها دون تزيف او تحريف أو كذب وبقيت هذه المعجزة باقية كدليل على إعجاز الله تعالى وتحديه لفصاحة العرب و دستور للمسلمين و ستبقى هذه المعحزة المتمثلة في القرآن الكريم إلى يوم الدين ..
( في صدر الإسلام )
بدأ النظر إلى الشعر يتغير بمفهوم مختلف عن السابق فبعد إسلام الشعراء اصبح الإهتمام الأول لديهم هو الرد بالهجاء على شعراء المشركين دفاعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كان هناك من قل شعره و هناك من توقف عن شعره وابتعد عن الكلام عنه .
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسمع الشعر من الصحابة او من وفود العرب التي كانت تأتي للدخول في الدين الجديد الإسلام إلا ان من معجزاته صلى الله عليه وسلم انه لا يقول الشعر ولا يحفظه لأن في بعض الشعر كذب و تزيف و رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها حق و يقين .
وهناك نوع من أنواع الشعر و هو شعر الفتوح الإسلامية لتحميس المجاهدين على القتال و كذلك لمحاولة تعريف الأخرين بالدين الإسلامي لتشجيعهم في الدخول فيه و اعتناقه .
و الأمر الواضح اشتمال الشعر على كثير مما في القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة .
أيضاً تميزت هذه الفترة بسهولة الألفاظ كذلك دخول ألفاظ جديدة إلى الشعر لم تكن تذكر قبل ذلك مثل الجنة والنار ..
( الشعر في العصر الأموي )
ركز فيه بعض الشعراء على المدح و اتخذوه حرفة للتكسب فكان الشاعر الفقير يضطر لمدح ونفاق تاجر لايحبه من اجل ان يتكسب منه مالاً يسد رمق جوعه ، و الشاعر الغني يظطر ان يمدح رجل له منصب كبير في الدولة وهو لا يكن له إلا الحقد و الكراهية لأجل ان يساعده في ايجاد عمل او يعطيه قطعة أرض او يقربه من دار الحكم فتغيرت اغراض شعر المدح و اصبح بعضه مجرد نفاق و أحتيال للوصول عن طريقه إلى غايات متعدده .
يعد الغزل من انواع الشعر الذي تفننوا فيه شعراء العصر الأموي و كان البعض يقيمون له المجالس التي يضاف إليها الغناء والرقص نتيجة لأنفتاحهم بسبب كثرة الترف و الرغد نتيجةللفتوحات الأسلامية التي أعقبها الكثير من الغنائم فكان هناك غزل عذري و غزل ماجن .
كذلك أصبح الهجاء يقال بشكل متقن للوصول إلى أغراض يبتغيها الشاعر او لمن دفع للشاعر كي يهجو بشعره فأبتكر هو و غيره من الشعراء معاني جديدة و أساليب مختلفة فأساؤا إلى هذا النوع من الشعر بعد ان كان نقيا وله اهداف سامية و أبتعد كل البعد عن الصدق و الصفاء .
أشهر الشعراء في العصر الأموي هما الفرزدق و جرير اللذان كان يفتخر كل واحد منهما بقبيلته و ينتقص كل منهما الآخر و عرف بينهما شعر النقائض و هو نوع من أنواع الهجاء أضافة إليه مدح الخلفاء ..
( الشعر في العصر العباسي )
نتيجة لأنتقال مكان الخلافة من دمشق في الشام الى بغداد في العراق اصبحوا بذلك قريبين من بلاد فارس فتأثرت بعض الفئات بها وقاموا بتقليدهم في سكن القصور الفخمة و من ناحية البذخ في شراء الملابس والزينة و طريقة الأكل والشرب في أواني الذهب و الفضة و الإسراف فيه ، أيضاً ظهرت في العصر العباسي حركات دينية كثيرة مابين فاسدة وبين زاهدة ،
كذلك انتشرت ثقافات الدول المختلفة وفسر القرآن الكريم بشكل اوضح ، و ظهرت المذاهب الفقهية ، و اهتم بالأحاديث و معرفة الصحيح منها من الموضوع و الكاذب ،
إضافة إلى تدوين العلوم السابقة و مالديهم وكانوا يكتبونها مع الشرح و التوضيح ،
و ظهرت حركة الترجمة في جميع العلوم و تم نقلها من لغتها كالفارسية و الرومية و اليونانية الى اللغة العربية و الفضل في ذلك يرجع الى تشجيع هارون الرشيد الذي أسس دار الحكمة في بغداد جمع فيها أمهات الكتب من كل مكان و شجع على التأليف و الترجمه و قد كان الكتاب الواحد يوزن مقدراه ذهب ، و من بعده اكمل ابنه المأمون في أزدهارها .
ازدهرت العلوم اللغوية فأهتموا بالتأليف البلاغي و النقدي فتطور الشعر و بدا الاهتمام به بشكل ملحوظ مع الإنفتاح على ثقافات الدول الأخرى مع الأخذ من حضاراتهم السابقة فتعددت اتجاهات الشعراء واغراضهم .
أشهر شعراء العباسين ثمانية ذاع صيتهم
بشار بن برد ،
ابو نواس ، مسلم بن الوليد ، البحتري ، المعتز ، أبوتمام ،
ابن الرومي ، المتنبي ..
( الشعر في عصر الأندلس )
تأثرت الأندلس بالعرب سواء عن طريق الفتوح الإسلامية او عن طريق الوفود العربية التي تأتي لتسكن في الأندلس فانبهر العرب ببيئة الأندلس الجميلة و الخلابة فازدهر شعر الوصف كذلك أقبل الخلفاء على الشعر فكانوا يكتبون الشعر و يقربون الشعراء منهم و نتيجة لتشجيع الخلفاء للشعر و لكل من كتبه او قالة أقبل الشعب عليه فكانت تقام نوادي و مجالس يجتمع فيها الشعراء كل أسبوع و بسبب الترف و البذخ كان هناك غناء للشعر من قبل الجواري الجميلات فتمخض عن ذلك صراع شعري بين العرب و الأندلس ليثبت كل منهما على قدرته في قول الشعر و كتابته فكتبوا في جميع انواع الشعر من مدح ، و رثاء ، و غزل ، و هجاء .
و أشهر شعراء الأندلس
شاعر و شاعرة كتبت قصة عشقهما على صفحات التاريخ و على شغف قلوب العشاق و على جدران ممرات قرطبة
الشاعرة ولادة بنت المستكفي الذي يعتبر صالونها الذي فتحته في بيتها اول منتدى ادبي ثقافي من نوعه كان يؤمه كبار الدولة من العلماء و الوزراء و الأعيان ليتنافسوا و يتناقشوا معها في الشعر و الادب دون قيود ، و كان النساء من مختلف الطبقات يفدن إلى صالونها ليتعلمن القراءة والكتابة و الشعر والغناء والموسيقى ،
في تلك الفترة التقت بالشاعر الوزير ابن زيدون حضر مجلسها و نشىء بينهما حب جارف وعشق ظاهر لا يخفى على أحد ، ظل الشاعران يغرقان في بحر عشقهما و يهيمان في وصف غرامهما كأنهما ثملان من غير خمر .
و لكن لم تدم هذه القصة الجميلة التي كانت مضرب المثل فقد كانا ضحية لغرورهما و غيرتهما ، والخلافات السياسية ، و الأحقاد الدفينة من الوشاة .
سجن ابن زيدون بعد وشاية انه يرتب لقلب الحكم في قرطبة و ظل فترة في السجن ثم استطاع الهرب وقيل ان ولادة هي من ساعدته على ذلك من بعيد وبعد هربة ذهب إلى اشبيلية ليصبح سفيراً تحت إمرة المعتضد ،
تزوج ابن زيدون و أنجب لكن ظل حب ولادة في قلبه و كذلك ولادة ظلت وفية لحبه فبعد هربه أقفلت منتداها الأدبي و أعتزلت الناس ولم تتزوج من أحد
ولا نعرف من منهما أحب اكثر من الأخر فقد ظل ابن زيدون عاشقاً متيماً و لما أحس انه شارف على النهاية ذهب إليها لتكون خاتمة حياته هي رؤية وجهها ،
وولادة عشقته عشقاً جعلها تمنع نفسها أن تراه حتى يحتفظ بتلك الصورة الجميلة أيام شبابهما رغم أنها كانت تتوق لرؤيته ،
مات ابن خلدون و لم يستطع ان يرى ولادة ،
وماتت ولادة وحيدة وقد توفيت في نفس اليوم الذي غزى فيه الموحدين قرطبة ..
( وفي عصر النهضة الحديث )
أبتعد الشعر عن اللغة العربية الفصحى و تعددت لهجاته العربية العامية المختلفة و معانيه المميزة ذات الكلمات العذبة السهلة التي تصل إلى المسامع بطريقة سلسة وتأنس لقرائتها و سماعها و إلقائها بنفس انواعه و اغراضه وإن زادت فهي مجرد فروع للشجرة الأم و بقي على جماله الأصيل مستأثراً بالأعجاب و الفخر .
سجل التاريخ هذه الأشعار على صفحاته كأنه درر منثور على ديباج أسود ، وورود جورية على صفحة ماء نهر عذب ، و بحر واسع لا ينتهي وليس له حدود ، وعين جارية لن تجف إلى ابد الدهر .
سيتذكر الناس دائماً هذا الشعر الأصيل و يتغنون به كسنفونية رائعة و يصفونه كلوحة معبرة و يرونه دائماً مثل مايرون كل يوم شعاع الشمس و ضوء القمر و موج البحر و السماء الصافية و الأرض الخضراء ويشعرون بالجمال و الأصالة و الحب الصادق بين العشاق .
ويسمو الشعر ويرتفع و يظل تراث و كنز لا يباع و لا يشترى .

شاهد أيضاً

كم كنت عظيماً يا ابي

بقلم : د. علي بن سعيد آل غائب بمناسبة الذكرى الخامسة على رحيل والدي رحمه …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com