بقلم / حسن سلطان المازني
في عام 1383هـ كنا قد نجعنا من برد السراة وزمهريرها إلى ((محلة برحو)) في تهامة بني مازن وفي ذات يوم قالت لي والدتي رحمها الله واموات المسلمين ((نروح نسلٓب من وقشة فأستعد تمشي معنا تساكنا))كُبرت في رأسي كلمة تساكنا فأنا الذي يحتاج الى من يساكني ،ذهبنا إلى وقشة قبيل العصر عبر مسالك جبلية يعرفها القبيلة وبعض القبائل المجاورة وكل واحدة من النسوة اعتمرة بالايزار النسائي وصمدت رأسها بقطعة قماش ((مبرم )) نسميها ملوثة تقيها من الشمس والبرد وتلتحف بها من هجيع الليل ومنهن من انتعلت ومنهن من تسير حافية حسب الظروف وصلنا وقشة بعد المغرب حيث صلينا ثم انطلق النساء في قمراء منتصف الشهر فريقين فريق يجمع السلب وفريق يحفر مدافن للسلب والسلب هنا هو نبات من فصيلة الصبار مستطيل يقع تحت لحائه الأخضر ليف متين يصنعن منه النساء الحبال ومشانق قرب الماء وغيرها وقبل منتصف الليل كن قد انجزن مهمة حفر المدافن الكبيرة وجمع كميات كبيرة من السلب ورضخها بالأحجار الكبيرة نسبياً ليسهل نضوجها في المدافن ثم يجتمع النسوة وهن يرددن ((زملة))اي صوت يوحد جهودهن ويقمن بدفن السلب في المدافن ويقمن بتغطيته بالتراب وبعد ان شطفن أيديهن واقدامهن بالماء خلدن للنوم بعد إرهاق شديد وفي اليوم التالي يقمن النساء بتجهيز المكان الذي يتم فيه وضع السلب وتنقيته من اللحاء واستخراج الليف وفي اليوم الثالث موعد أستخراج السلب من المدافن وتنظيفه وكانت المفاجأة الغير متوقعة فعندما ذهبن وأنا ارافقهن ويداي تدعكان عيناي من النوم بعد صلاة الفجر صوب المدافن تفاجأنا ان الاخ ((أبو مخيمر)) النمر العربي متمدد فوق احد المدافن ،تراجعن النسوة وأنا تراجعت اسابقهن في المشراد اشارت والدتي إلى بقية النسوة أخذ حضرتي والابتعاد عن المكان والاختفاء كلياً واعتزت بعزوتها المعروفة ((لوابي من قطبة الدم))فهي رحمها الله من قبيلة بني قطبة برجال ألمع وتعتز بقبيلتها كثيراً فهي لا تعتزي إلا بقبيلة بني قطبة الدم المهم بعد أن أختفى المساكن الهمام برفقة بقية النسوة وركبي كأنه اصابها رجفان وقلاقل الدنيا كلها والحقرة قد نشبت في حلقي خوفا ً على نفسي وعلى والدتي وهي متجهة صوب المدفن الذي استعمره ابو مخيمر دون ان يكون بيدها حتى عصاة …نظر لها النمر نظرة سريعة ثم نهض من على المدفن وراح في حال سبيلة وينطلقن النسوة إلى المدافن ليستخرن السلب ويحملنه إلى الماء القريب ويشطفنه وينظفنه وقامت والدتي بتوزيع ليف السلب على النساء بالتساوي ثم تناولنا خبز مرمود مع الماء ثم عدنا الى محلالنا برحو الذي انطلقنا منه قبل ثلاثة أيام وأنا مزهوٍ بنفسي أني رافقت والدتي والنساء اساكنهن واسرد لمن قبلنا في المحلال قصة النمر والتي لم يصدقوني لولا ان النساء أنقذوني بسردها غفر لمن مات منهن وختم لمن بقي منهن بالجنة فقد كن نساء يزهو بهن الزمان قوة وعزيمة ووفاء وحسن جوار وادب ليت بعض الاوادم يخجلون من ضرب النساء كما خجل النمر العربي من امراءة.
“القصة حقيقية وواقعية عشت تفاصيلها بنفسي وفيها من العبر لمن أراد ان يعتبر ”
فتكم في خير.