ذكرى التأسيس: قيامة متجددة للعرب بقيادة سعودية


بقلم / د. سعيد عبدالله علي جفشر
إن الحديث عن تأسيس الدولة السعودية ليس مجرد استعراض لمحطات تاريخية، بل هو تأمل عميق
فالفوارق
.
في مسيرة كيان عربي أصيل، لم يكن يومًا إلا واحدًا، رغم المراحل الزمنية التي مر بها
لزمن، لم
الزمنية بين ما يُصطلح عليه “الدول السعودية الثلاث” ليست إلا لحظات عابرة في عمر ا
تقطع استمرارية المشروع الوحدوي، بل عززت من قوته. فقد كانت فكرة الوحدة الوطنية ثابتة
ومتجذرة، لا تعترف بالانقطاعات الظاهرية، بل تؤكد أن السعودية لم تكن مجرد دول متتابعة، بل
.
كيانًا واحدًا متصلا ً بقادته، ونضاله الوطني، وحب شعبه له
– ولعل إقرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز
ليوم التأسيس لم يكن
– حفظه الل
مجرد توثيق لحظة من التاريخ، بل كان بمثابة إيقاد لشعلة مضيئة للباحثين والمؤرخين، تدفعهم إلى
ي تشويه أو تحريف.
إعادة كتابة التاريخ السعودي بما يليق به، وإظهار حقائقه كما هي، بعيدًا عن أ
إنه إعلان بأن الدولة السعودية ليست مجرد تجربة سياسية عابرة، بل كيان متجذر في عمق الجزيرة
العربية، نشأ وترسخ على مدى قرون، متحديًا الصعوبات، ومواجهًا التحديات، ومستمر ً ا في مسيرته
الحرمين الشريفين وولي عهده
إلى يومنا هذا. واليوم، ونحن نعيش مرحلة متجددة تحت قيادة خادم
، فإننا نشهد امتدادًا طبيعيًا لهذا الإرث التاريخي العريق، الذي
– حفظهما الل
– الأمير محمد بن سلمان
بدأ مع الإمام محمد بن سعود، واستمر في كل مرحلة، مؤكدًا أن المشروع السعودي لم يكن مجرد
.مة هويتها وسيادتها، بعد قرون من التشتت والتبعية
حكم سياسي، بل بعثًا عربيًا جديدًا، استعاد للأ
هـ)، لم يكن ذلك إلا تتويجًا لمسيرة طويلة من الحكم
1139
م (
1727
عندما أُعلن يوم التأسيس عام
والقيادة، امتدت عبر ستة قرون من تاريخ الأسرة السعودية الحاكمة. هذه الأسرة التي صمدت في
رث بني
وجه التحديات، وحافظت على رؤيتها العربية والإسلامية، لم تكن إلا الوريثة الشرعية لإ
حنيفة في نجد، الذين امتدت جذورهم في هذه الأرض منذ ألفي عام. ففي مرحلتها الأولى، التي أطلقها
الإمام محمد بن سعود، لم تكن الدولة كيانًا محليًا محدودًا، بل كانت واسعة الامتداد، شملت أراضي
ق ما حفظته المصادر والوثائق
شاسعة من الجزيرة العربية، وامتدت إلى أجزاء من العراق والشام، وف
.
التاريخية، والسرديات الشفهية التي تناقلتها الأجيال جيلا ً بعد جيل
لقد مثلت هذه المرحلة نقلة نوعية في التاريخ العربي، حيث لم تكن مجرد قوة سياسية، بل كانت
فقد ترافقت الحركة السياسية
.
مشروعًا فكريًا وإصلاحيًا، أحدث نهضة واسعة على مختلف الأصعدة
قة. كانت مع نهضة فكرية، سياسية، دينية، علمية، وثقافية، شملت إصلاحات اجتماعية واقتصادية عمي
هذه النهضة جزءًا من رؤية متكاملة، تسعى إلى إعادة ترتيب البيت العربي، على أسس واضحة من
العدالة، والاستقرار، والاستقلال عن القوى الأجنبية. ولم تكن المواجهة بين الدرعية والقوات العثمانية
م) سوى اختبار لقوة الفكرة السعودية، فالإمام عبد الل بن سعود، حين
1818 هـ (
1233
الغازية عام
أن يُمحى بمصير
قرر مواجهة المصير بشجاعة، كان يدرك أن مشروع الدولة السعودية أكبر من
شخص أو مدينة، وأن المسيرة العربية التي بدأت في الدرعية لم تنتهِ بمواجهتها مع القوة العثمانية،
.بل كانت بداية جديدة لمواصلة المشروع السعودي
م)، لم يكن يعيد
1824 هـ (
1240
وحين نهض الإمام تركي بن عبد الل ليعيد بناء الدولة في نجد عام
بناء حكم سياسي، بل كان يجدد عهدًا عربيًا قديمًا، ويؤكد أن المشروع السعودي لم يكن مجرد مرحلة
من التحديات التي
تاريخية، بل رؤية ممتدة، تؤمن بوحدة الجزيرة العربية واستقلالها. وعلى الرغم
واجهت هذه المرحلة، إلا أن الأسس التي و ُ ضعت خلالها ظلت راسخة، إلى أن جاء الملك عبد العزيز
1319 بن عبد الرحمن آل سعود، ليعيد توحيد البلاد عام
م)، ويؤسس لمرحلة جديدة من
1902 هـ (
.البناء والتطوير
لم تكن إعادة التوحيد مجرد استعادة للحكم، بل كانت إعلانًا بأن الدولة السعودية لم تكن يومًا دولة
فإعلان قيام المملكة العربية
.
مقطوعة الجذور، بل امتدادًا طبيعيًا لمسيرة طويلة من الكفاح والقيادة
ان تأكيدًا على أن العرب
م) لم يكن مجرد تتويج لانتصار سياسي، بل ك
1932 هـ (
1351 السعودية عام
.قادرون على بناء دول قوية، تعتمد على ذاتها، وتحافظ على استقرارها وسط عالم يموج بالصراعات
لم تكن الدولة السعودية مجرد مشروع سياسي، بل كانت قوة فكرية، أحدثت تأثير ً ا واسعًا في محيطها
فمنذ تأسيسها، لعبت دور ً ا محوريًا في إعادة تشكيل الفكر السياسي العربي، حيث
العربي والإسلامي.
قادت حركة إصلاحية دينية،
كما
.
قدمت نموذجًا فريدًا في الاستقلالية، بعيدًا عن التبعية للقوى الأجنبية
سعت إلى إعادة الدين إلى نقائه الأول، بعيدًا عن البدع والممارسات الدخيلة. وإلى جانب الإصلاح
الديني، شهدت الدولة السعودية نهضة علمية واسعة، حيث رعت العلماء، وأسست المدارس، وعملت
دور ً ا بارز ً ا في تعزيز اللغة العربية،
على نشر المعرفة في كل أنحاء الجزيرة العربية. كما لعبت
باعتبارها الهوية الثقافية للأمة، وسعت إلى تطوير مناهج التعليم، لتواكب المتغيرات العالمية، دون أن
.تفقد أصالتها
أما على المستوى الاقتصادي، فقد شكلت الدولة السعودية نموذجًا فريدًا في تحقيق الاكتفاء الذاتي،
والاستفادة من الموارد الطبيعية، وبناء اقتصاد قوي قادر على الصمود أمام التحديات. وكانت هذه
. واليوم،
أساسيًا للدولة
النهضة الاقتصادية جزءًا من رؤية متكاملة، جعلت من الاستقرار والتنمية هدفًا
ونحن نعيش في ظل قيادة الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، نشهد
فالمملكة ليست مجرد دولة حديثة، بل هي وريثة لإرث طويل
.
امتدادًا طبيعيًا لهذه المسيرة التاريخية
اقتصادية، بل هي امتداد لمشروعليست مجرد خطة
2030
من القيادة والتطور. رؤية المملكة
حضاري سعودي، بدأ منذ قرون، ويستمر اليوم بأبعاد أوسع، تستجيب لاحتياجات العصر، وتحافظ
.على جوهر الهوية السعودية
إن تأثير السعودية اليوم لم يعد مقتصر ً ا على حدودها الجغرافية، بل أصبح عالميًا، فهي قوة اقتصادية،
وسياسية، وثقافية، لها دور فاعل في رسم ملامح المستقبل. وهذا الحضور الدولي لم يكن وليد اللحظة،
قلب العالم الإسلامي، بل
بل هو نتاج لمسيرة طويلة من العمل والقيادة، جعلت من السعودية ليس فقط
قوة عربية وإسلامية قادرة على التأثير في القرارات العالمية، والمشاركة في صياغة مستقبل المنطقة
.والعالم
إن ذكرى التأسيس ليست مجرد لحظة احتفاء بتاريخ مضى، بل هي استعادة لروح القيامة العربية
المتجددة، التي قادتها السعودية، وأثبتت من خلالها أن العرب قادرون على بناء دولتهم، والمحافظة
رة للإصلاح
. وكما كانت السعودية عبر تاريخها منا
على وحدتهم، والتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقًا
والتوحيد، فإنها اليوم تمضي بخطى واثقة نحو تحقيق رؤيتها، مستندة إلى إرثها العريق، وماضية في
تحقيق رسالتها الحضارية التي بدأت منذ قرون، وستستمر لأجيال قادمة.

شاهد أيضاً

نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام يتطوع ليكون مسؤول المالية

بقلم الكاتب/ عوض بن صليم القحطاني أشار القرآن الحكيم إلى نماذج من تطوع نبي الله …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com