
بقلم/ منصور العلي
المراهقة هي المرحلة التي يمر فيها الإنسان بتغيرات كبيرة تؤثر على نظرته لنفسه وللعالم من حوله. في هذه المرحلة، يصبح المراهق أكثر حساسية تجاه النقد وأكثر حاجة إلى التقدير والاحتواء. البيئة الداعمة تلعب دورًا أساسيًا في مساعدته على بناء ثقته بنفسه واتخاذ قراراته بوعي، مما يجعله أكثر قدرة على مواجهة التحديات التي تصادفه.
عندما يجد المراهق بيئة يشعر فيها بالأمان العاطفي، يكون أكثر استعدادًا للتعبير عن نفسه دون خوف من الرفض أو السخرية. الدعم العاطفي الذي يحصل عليه من الأسرة والمجتمع يعزز من استقراره النفسي ويساعده على تطوير مهاراته الاجتماعية بشكل صحي. المراهق الذي يشعر بأن رأيه مسموع، حتى لو لم يتم الأخذ به دائمًا، يصبح أكثر تفاعلًا مع محيطه وأقل عرضة للعزلة أو الانسحاب.
التغيرات العاطفية الحادة التي يمر بها المراهق قد تدفعه أحيانًا إلى التصرف بطرق غير متوقعة، لكن بدلاً من مواجهته بالنقد اللاذع أو العقاب الصارم، فإن الاستجابة بتفهم وهدوء تتيح له فرصة استيعاب مشاعره والتعامل معها بشكل أفضل. البيئة الداعمة توفر له المساحة اللازمة للتعلم من أخطائه دون أن يشعر بالخوف من الفشل أو الإحباط.
إضافةً إلى الجانب العاطفي، تلعب البيئة الداعمة دورًا في تحفيز المراهق على تطوير مهاراته وتحقيق أهدافه. عندما يحظى بالتشجيع المستمر على بذل الجهد، بغض النظر عن النتائج، فإنه يكتسب قوة داخلية تدفعه للاستمرار في المحاولة. التقدير هنا لا يعني المبالغة في المديح، بل الإشارة إلى الجهد المبذول وإظهار الثقة بقدراته، مما يعزز شعوره بالكفاءة.
من المهم أيضًا أن تتيح البيئة الداعمة للمراهق قدرًا من الاستقلالية في اتخاذ قراراته، حيث يحتاج إلى الشعور بأنه قادر على توجيه حياته بنفسه. عندما يشارك في اتخاذ القرارات، حتى ولو كانت صغيرة، فإنه يشعر بالمسؤولية ويتعلم كيف يزن الخيارات ويواجه العواقب. هذا لا يعني تركه دون إرشاد، بل دعمه في اكتساب مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات.
المجتمع والأسرة والمدرسة جميعها تلعب دورًا في تشكيل البيئة الداعمة للمراهق. وجود نموذج قدوة يمكن أن يلهمه ويوجهه بطريقة غير مباشرة. كذلك، فإن تقديم النصائح بطريقة تحترم رأيه ولا تشعره بالفرض أو الإلزام يساعد في بناء علاقة صحية بينه وبين محيطه. كلما شعر بأنه مقبول ومحترم، زادت ثقته بنفسه وأصبح أكثر قدرة على مواجهة الحياة بتوازن.
عندما يحظى المراهق بدعم معنوي متوازن، فإنه يكتسب مهارات التعامل مع التحديات بثقة، ويصبح أكثر قدرة على بناء استقلاليته دون أن يشعر بأنه مقيّد. البيئة التي تشجعه على المحاولة، حتى عند الفشل، تساهم في تشكيل شخصيته وتطوير نظرته للحياة بطريقة إيجابية. في النهاية، الدعم الحقيقي لا يتمثل فقط في الكلمات، بل في المواقف والتعامل اليومي الذي يشعره بأنه جزء مهم من المجتمع وأن لديه قيمة تستحق الاحترام.
عسير صحيفة عسير الإلكترونية