
بقلم ✍🏻 سهام ورقنجي
قد نُخطئ حين نظن أن الزراعة لا تكون إلا في الحقول وأن الغرس لا يزدهر إلا في تُربة الأرض.
فالحقيقة أن أعظم البذور لا تُلقى في التراب بل في القلوب.
في أعماق أبنائنا وفي أرواح أصدقائنا وفي مواقفنا مع الناس نزرع كل يوم… لكن قلّ من يسأل: ماذا نزرع؟
نحن شئنا أم أبينا غارسون.
نزرع بكلماتنا ونحصد بصمتنا.
نزرع حين نُربت على كتف طفل مرتبك
أو نُمهل إنسانًا في لحظة ضيق
أو نُثني على اجتهادٍ وإن كان صغيرًا.
نزرع حين نغرس في أبنائنا خلق الصدق وفي أصدقائنا وفاء الموقف وفي من حولنا دفءَ العدل وسعة الاحتمال.
وغرس القيم هو الزراعة الأبطأ لكنه الأعمق أثرًا. قد لا ترى ثماره غدًا وقد لا تُزهر في حضرة حياتك لكنها تنمو تحت السطح في الصمت، حتى إذا ما حانت ساعة الحاجة نبتت فجأةً كالنور في الظلام.
ربّ ابنٍ سمع في طفولته عبارة: “الحق لا يُباع”، فنشأ على العدل ولو كلفه ما كلفه.
وربّ صديقٍ علّمته صبرك على خطئه كيف يكون الولاء.
وربّ عابرٍ التقط من تواضعك درسًا غيّر مسار حياته دون أن تدري.
كل علاقة بشرية هي تربة خصبة.
والقلوب النقية لا تُنسى لأنها تترك أثرًا أبقى من الكلمات.
وما نغرسه في نفوس الآخرين من أخلاق من قيم من مبادئ هو الزرع الحقيقي.
هو الزرع الذي لا تذروه الرياح ولا تفسده مواسم الجفاف.
والمحصول؟
لا يُقاس بالكثرة بل بالأثر.
يكفيك أن ترى ابنك في موقفٍ عصيب يتخذ القرار الصواب دون أن تكون بجانبه… فتدرك أنك كنت هناك لأنك زرعت فيه ما يجب أن يكون. يكفيك أن يذكرك صديقك بكلمة قلتها له في زمن سقوطه فكانت له سندًا لا يُنسى.
يكفيك أن تكون قد زرعت شيئًا نقيًّا في زمنٍ يُعاني من تصحُّر القيم.
فليكن غرسنا اليوم في النفوس كما نحب أن تكون ثمار الغد: صالحة، صادقة، ومثمرة للخير.
وحين يأتي الحصاد، لن يهمّ كم زرعنا، بل ماذا زرعنا
@sehamwargangy
عسير صحيفة عسير الإلكترونية