
بقلم الكاتبة / سلافة سمباوه
عندما بلغت الاربعين اصبحت اسمع بكثره جملة العمر مجرد رقم .. السؤال الذي يتبادر الى ذهني كيف تحول هذه المقولة من جمله الى فعل ؟
العمر لا يتوقف عند مرحلة معينة، إلا أنّ هناك من يبقى في
مرحلة الشباب والنشاط لعمر مديد! فكيف تبقى في عمر الشباب على الدوام؟
هناك من المسنين من امتلك الحيوية والشباب، فكيف نفسر ذلك؟
الفكرة لا علاقة لها بالتقويم العمري ولا بشهادة الميلاد، بل بشيء أعمق وهو: الروح، والطاقة، وطريقة العيش، وأسلوب الحياة.
هل ترغب أن تحافظ على روحك الشابة، وطاقتك المتجددة، وحماسك للحياة مهما تقدم بك العمر؟
هناك شباب، رغم أنهم في سن الفتوة وريعان الصحة والقوة، عقولهم مسطحة، بسيطة، لا ترتقي للذروة، بينما نرى كبار سنٍّ في كامل قوتهم العقلية؛ فالشباب لا يبدأ بالجسد، بل بالعقل.
ما فائدة القوة الجسمانية والعقول ضعيفة غير فاعلة؟ في بعض الأحيان تُحدّث شابًّا، فتقول: هل أنا أتكلم مع ضعيف الإدراك والتمييز؟ بينما ترى في الضفة الأخرى مسنًّا يمتلك الحماس والفضول، تراه ما يزال يقرأ ويتعلم ويخوض التجارب الجديدة، وتجده يضحك من صميم قلبه، كأنما لا يزال في العشرين.
الشاب الحقيقي هو ذلك الفتى الذي يرى في الحياة فرصًا لا تنتهي. فلماذا لا تتمسك بهذه الروح؟ إذًا، حافظ على هذا الحماس وهذا الفضول، وقاوم الشيخوخة الذهنية، لكونها أول محطات ضعفك وشيخوختك!
ثانيًا: العناية بالجسد
إن جسمك لا يخونك، بل يرد على طريقة تعاملك معه”! ماذا لو كانت هذه المقولة صحيحة؟ إن كثيرًا من الشباب يسهرون، ولا يعتنون بلياقتهم، ولا بنظامهم الغذائي؛ لذا تراهم مرهقين، متعبين، يمرضون، ويهرمون بشكل سريع.
فهل من المعقول أن نسيء إلى أجسادنا، ثم نشتكي منها؟ إذا أردنا المحافظة على حيوية الشباب، فعلينا أن ندير بوصلة التفكير في نمط حياتنا مبكرًا.. الأمر لا يتطلب رياضة شاقة أو حمية صارمة، بل وعيًا مستمرًّا بالتوازن، كوضع جداول سليمة: غذاء متنوع، حركة منتظمة، نوم كافٍ، وشرب ماءٍ بانتظام.
أتهتم بجسدك ونظام حياتك، أم إنك لا تفيق إلا بعد وقوع كارثة صحية، لا قدر الله؟ السؤال الجوهري: لماذا لا نتغير إلا عندما يقع الألم وتفترسنا الأمراض؟ لماذا لا نهتم بأجسادنا قبل أن تصرخ من فرط الإهمال؟
ثالثًا: الروح المتجددة
يمتلك الشباب روح التجديد، فكيف لك أن تمتلك هذه الروح؟ إنّ امتلاك هذه الروح لا يعني أن تلبس ملابس الشباب وتتحدث بلغتهم، بل أن تمتلك الطاقة الإيجابية التي يمتلكونها. هل تستيقظ متحمسًا في الصباح؟ هل أنت مبادر دائمًا؟ هل لديك أهداف يومية تطاردها؟ هل ترى في الفشل فرصة؟ هل تشعر أن الحياة حقل كبير وتنتظر منك التجربة؟ إذا امتلكت هذه الروح فستنضح بماء الشباب، وسترى أنّ من حولك يتفاعلون معك، ويقولون عنك: “لا يبدو عليه تقدم العمر”.
إنك لا تحتاج لأدوية تخفي التجاعيد، كل ما تحتاجه نمط تفكير ونظرة إيجابية تجعلك مشرقًا على الدوام.
رابعا: المرونة مطلب
لماذا نخاف التغيير؟ من طبيعة الشباب التكيف مع الظروف، ومواكبة التغيير، إنها حالة بتسري في دمائهم، حتى حين يقعون في الخطأ، تراهم يعتذرون ولا يخجلون. فلماذا يشعر البعض بالهزيمة حين يتراجعون عن موقفهم؟ هناك طبيعة يتصلّب عليها البعض تُسمى الجمود، فالأفكار تحتاج لتجديد ومرونة، فلماذا نتمسك بالعادات والزمن يتغير؟ الشاب الحقيقي لا يقول: “لقد جرّبت كل شيء”، بل يقول: “ماذا يمكنني أن أجرّب الآن؟”.. هو لا يرفض الثقافات الجديدة، ولا يرهب استخدام التكنولوجيا، بل يمتد به الأمر لاكتشاف ما اكتشفه غيره. فلماذا لا نتحلى بهذه المرونة؟
خامسًا: شبكة العلاقات
يمتاز الشباب بسرعة امتلاكهم علاقات أخطبوطية، فالمسألة بالنسبة لهم لا تنحصر في امتلاك قوائم معارف طويلة، بل تراهم يزاولون التواصل النشط مع الآخرين. هذه الميزة تضمحل وتُفقد تديجيًّا مع الاقتراب من عمر الأربعين والخمسين، حتى تضرب الوحدة والعزلة تخومها؛ لهذا تجد كبار السن يفتقرون للصحبة شيئًا فشيئًا، وهذا أمر خطير، يُسمى بتآكل العلاقات. فلماذا نتجه نحو الانطوائية وكأننا نعشق العيش في الجزر المنعزلة؟
دعونا نتأمل ما يعيشه الشباب: هم يعشقون الصحبة، ويكثرون الضحك، ويأنسون بالمشاركة.. فإذا أردت أن تحافظ على روحك الشابة، فابحث عما يشحن طاقتك ويضفي على حياتك معنى، لا تنحصر مع من هم من جيلك؛ فقد يمنحك من هو أصغر منك روحًا أخف، ويلهمك من هو أكبر منك حكمة لا تُنال إلا بسفك المهج!
سادسًا: الأنشطة القديمة
اكتب عشرة أمور كنت تزاولها أيام العشرين من عمرك، واسأل نفسك: لماذا انحسر بعضها؟ هناك أمور كنت تمارسها بشغف: رسم، موسيقى، كرة قدم، وهناك أمور أخرى قد توقفت عنها الآن، لعل طبيعة حياتك اليوم فرضت عليك تجاهلها. فهل كان قرار التجاهل هذا صائبًا فعلًا؟ لماذا لا تتأمل هذه الأنشطة بإنصاف وتفكر في المعاودة لبعضها تدريجيًّا؟
إنك لن تستطيع إعادة الماضي، ولكن بالإمكان إعادة الشعور والإحساس، إعادة الدهشة والاكتشاف.. بإمكانك أن تكون كما كنت أيام شبابك وحيويتك، بإمكانك أن تمارس ما كنت تفعله بفاعلية ونشاط.
سابعًا: البحث عن المعنى
لماذا يفقد البعض شغفه؟ لماذا تنطفئ من البعض شعلة النشاط، كما تنطفئ نار الشمعة بنفخة واحدة؟ حين كان الإنسان في العشرين، كان يبحث عن هدف، عن وظيفة، عن علاقة، عن مكانة.. لهذا كان دمه يغلي ويفور نشاطًا. غير أن الأمور مع الوقت تتحوّل، فتغدو حياته روتينًا بلا معنى، بلا هدف! لهذا يفقد البعض الشغف، ويتثاقل عما كان عليه أيام ذروة النشاط.
والآن قل لنفسك: ليس المهم ما أبدو عليه من الخارج، المهم ما أنا عليه من الداخل، ما أنا فيه اليوم؛ فالشباب الدائم يعني أن تنظر بعينيك نحو الأفق البعيد باستمرار. فهل لديك تطلع يهمك؟ ربما مشروع، رسالة، هواية، أو حتى عادة جديدة؟ المهم ألا تتوقّف عن السعي والشغف.
ثامنًا: تحدي الفشل
من عادة الشباب، حين يفشلون ينهضون بسرعة، للمحاولة من جديد بينما من تقدم به الزمن يقول: ربما تأخرت، ربما هذا ليس وقتي، أو لا فائدة من المحاولة فيتقاعس المسن، وينجح الشباب. لا علاقة للعمر، إن سر المعادلة يكمن في الإصرار وتحدي الفشل، وهذا الردّ الذي يقوله كل طرف هو ما يصنع الفارق!
إن الفشل لا يعني إشارة الهرم ولا إشارة التقاعد، اهو جزء طبيعي من التجربة. لذا حلّق مع الشباب، واكسب المحاولة.. كن شجاعًا، مبادرًا، وتحلَّ بالمرونة والتغيير، والثقة بأن لك في كل يوم فرصة جديدة.
أخيرًا: مسألة الاختيار
هل اخترت أن تطبّق ما عرفته؟ أن تكون شابًّا على الدوام لا يعني المعرفة فقط، بل يلزم اتخاذ قرار. فهل اتخذت قرارك؟ هل قررت ألا تترك نفسك للزمن ليفعل بك ما يشاء؟ هل قررت أن تملك زمام المبادرة؟ هل تعاقدت مع العزم وتراهنت مع الحماس؟
وماذا ستختار؟ أتنتظر أن يخبرك جسدك أنك تأخرت، أم تبدأ اليوم بإعادة ترتيب حياتك، واستعادة ذاتك، القرار بيدك،
عسير صحيفة عسير الإلكترونية