لا تكن وقود الشائعة

بقلم/ محمد عمر حسين المرحبي

تظهر بين فينةٍ وأخرى على منصّات التواصل الاجتماعي موجات من الأخبار المثيرة التي تُنشر بسرعة البرق، يتناقلها البعض دون تمحيص أو تثبّت، وكأنهم في سباقٍ لإيصال المعلومة قبل غيرهم، غير مدركين أنهم قد يكونون مجرد أدوات في أيدي مروّجي الشائعات وأصحاب الأجندات الخفية. وبعد أيامٍ قليلة، تتضح الحقيقة الصادمة: أن ما تم تداوله لا يمتّ للواقع بصلة، وأن مصدره كان مجهولاً أو مغرضًا، فنندم على تسرّعنا ونعتذر لأنفسنا ولمن خدعناهم دون قصد.

إن خطورة تداول الأخبار غير المؤكدة لا تكمن فقط في نشر الأكاذيب، بل في زعزعة الثقة بين الناس، وتشويه صورة الأفراد والجهات، وبث الخوف والارتباك داخل المجتمع. فكم من إشاعةٍ أضرت بسمعة شخص بريء، أو سببت قلقاً عاماً، أو أثّرت سلباً في قراراتٍ ومواقف بسبب تصديق رواية لا أصل لها.

في عصر السرعة، صار الوصول إلى المعلومة أسهل من أي وقتٍ مضى، لكن التثبّت منها بات أصعب. فكثير من الحسابات المجهولة تتعمّد بثّ الأكاذيب لتحقيق مصالح شخصية أو أهداف خفية؛ منها جذب المتابعين، أو تشويه سمعة جهة معينة، أو إثارة الفتنة بين الناس. هذه الحسابات المغرضة تتغذى على التفاعل السريع، وعلى كل من يضغط زر “إعادة التغريد” أو “المشاركة” دون أن يسأل نفسه: هل هذا الخبر حقيقي؟ ومن أين جاء؟ وما الغاية من نشره؟

لقد وجّهنا ديننا الحنيف إلى التريّث والتثبت قبل نقل الأخبار، فقال تعالى:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” [الحجرات: 6]

هذه الآية الكريمة تختصر المبدأ الأخلاقي والإعلامي الذي يجب أن نلتزم به في زمن كثرت فيه المنصّات وتداخلت فيه الأصوات. فالتثبّت واجب، والوعي ضرورة، والمسؤولية أمانة.

لذلك، يجب أن نكون أكثر وعياً في تعاملنا مع ما نقرأ ونسمع، وأن نحرص على التأكد من مصادر الأخبار من القنوات الرسمية أو الحسابات الموثوقة، وأن نغلق الباب أمام الشائعات التي تسعى لهدم الثقة وتشويه الحقائق. فليس كل ما يُنشر يستحق أن يُنقل، وليس كل ما يُقال يجب أن يُصدَّق.

وفي النهاية، لنتذكّر أن الكلمة أمانة، وأن نشر المعلومة الخاطئة قد يضرّ أكثر مما ينفع، وأن التريّث في زمن الفوضى الإعلامية ليس ضعفًا، بل هو وعيٌ ونضج ومسؤولية. كن أنت مصدر التثبت لا أداة الترويج، وساهم في بناء وعيٍ مجتمعيٍ يحمي الحقيقة من التزييف، والوطن من التشويه.

شاهد أيضاً

نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام يتطوع ليكون مسؤول المالية

بقلم الكاتب/ عوض بن صليم القحطاني أشار القرآن الحكيم إلى نماذج من تطوع نبي الله …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com