فمن تطوع خيرا..

بقلم د/ عوض بن صليم القحطاني

في يوم 5 ديسمبر يوافق اليوم العالمي للتطوع..

فاحببت المشاركة بهذا المقال حبا في التطوع والمتطوعين..

اولا لا ننسى ان اعمال التطوع من اعمال الانبياء والصحابه .

هناك أحاديث كثيرة تدل على فضل التطوع في السنة النبوية، منها حديث عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «سبعةٌ يُظِلُّهم اللهُ في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه… ورجلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنفِقُ يَمينُهُ». كما قال النبي ﷺ: «واللهُ في عَونِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عَونِ أخيهِ». وأيضًا، «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله».

أمثلة على تطوع الرسول (صلى الله عليه وسلم):

في العبادات:

صيام النوافل: كان يصوم الإثنين والخميس ليُعرض عمله وهو صائم، كما كان يصوم ستة أيام من شوال بعد رمضان.

في البناء والعمارة:

بناء المسجد النبوي: شارك بنفسه في نقل الحجارة ووضعها أثناء بناء المسجد مع الصحابة.

في خدمة المجتمع:

رعاية المحتاجين: كان يواسي الفقراء، ويزور المرضى، ويهتم بالضعفاء.

تنظيف المسجد: اهتم بامرأة سوداء كانت تنظف المسجد، وصلى عليها بعد وفاتها.

في التعليم والإرشاد:

التطوع الفكري: علّم الصحابة وأرشدهم، ووجّههم نحو الخير، وحثهم على إدخال السرور على قلوب الآخرين.

مجالات التطوع في السيرة النبوية:

تطوع إنساني: رعاية الأيتام والأرامل، المواساة، والضيافة.

تطوع فكري وإعلامي: نشر العلم والحكمة، وتقديم المشورة.

تطوع اقتصادي وتنموي: التبرع بالمال، والمساهمة في البناء والتشييد.

كان الرسول ﷺ قدوة في أن الخير يكمن في النفع للناس، وأن التطوع عبادة عظيمة تجسد التكافل الاجتماعي.

في مختلف مجالات العمل التطوعي، ودعا إلى المسارعة والمسابقة في عمل الخير كما في قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾و قوله تعالى: ﴿فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ﴾.

وأشار القرآن الكريم إلى مجموعة من مصاديق عمل التطوع كالحث على إعطاء الصدقة، أو الأمر بالمعروف، أو الإصلاح بين الناس كما في قوله تعالى: ﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾.

والشفاعة في فعل الخير يعد أيضاً من الأعمال التطوعية التي دعا إليها القرآن الكريم كما في قوله تعالى: ﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا﴾

والدعوة إلى الخير من الأعمال التطوعية التي يجب أن يقوم بها النخبة المؤهلة من المجتمع كما في قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾

ومفهوم الخير مفهوم واسع يشمل كل ما يعد بنظر الشرع والعقل والعرف خيراً، فالصدقة خير، ونشر العلم بين الناس خير، وبناء المساجد وأماكن العبادة والذكر خير، وتزويج العزاب خير، ومساعدة الفقراء والمحتاجين خير، وتشييد المستشفيات والمراكز الصحية خير، ودعم المتفوقين للدراسات العليا خير، وطباعة الكتب وتوزيعها مجاناً خير، وتأسيس القنوات الفضائية الملتزمة خير، وتقوية التدين في نفوس الشباب خير، والدعوة إلى المعروف خير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خير، ومقاومة الشر وزرع الفضيلة خير، وهكذا…فإن قائمة الخير طويلة وواسعة وشاملة لكل ما فيه رضا لله عز وجل، ومنفعة للمجتمع، وخدمة للأمة والإنسانية.

وورد ايضا التطوع في سيرة الأنبياء

ورد في القرآن الكريم مجموعة من قصص الأنبياء التي تتحدث عن قيامهم بأعمال تطوعية مختلفة، والهدف من ذكرها دعوتنا للاقتداء بأنبياء الله، والسير على نهجهم. كما يؤكد من جهة أخرى قيمة العمل التطوعي في المنظور القرآني، حيث ذكر بالاسم مجموعة من الأنبياء العظام الذين مارسوا الأعمال التطوعية بما يرضي الله سبحانه وتعالى.

وسنشير إلى أهم النماذج من تطوع الأنبياء الوارد في القرآن الكريم.. ومنها:

1- كفالة نبي الله زكريا عليه الصلاة والسلام لمريم بنت عمران:

أشار القرآن الكريم إلى تطوع نبي الله زكريا عليه الصلاة والسلام لكفالة مريم بنت عمران عليها الصلاة والسلام )، قال تعالى: ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾. والكفالة تعني أن يقوم شخص برعاية شؤون أحد الأطفال، والعمل على تربية وتوفير احتياجاته حتى يكبر، وهذا ما فعله نبي الله زكريا عليه الصلاة والسلام ، حيث تكفل برعاية مريم بنت عمران، وقام بكفالتها خير قيام، فهو نبي وزوج خالة مريم، وما كان أحد غيره جدير بهذه المهمة في كفالة مريم عليها الصلاة والسلام وكفالة الأيتام هي من أفضل الأعمال التطوعية، وقد ورد في فضلها الكثير من الأحاديث والروايات، فقد روي عن الرسول الأعظم ﷺ أنه قال: (( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة)وأشار بالسبابة والوسطى. و قال ﷺ أيضاً: (( من قبض يتيماً من بين مسلمين إلى طعامه وشرابه أدخله الله الجنة البتة، إلا أن يعمل ذنباً لا يغفر))

2- نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام يساعد المحتاجين:

يشير القرآن الكريم إلى صور عدة من مساعدة نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام للمحتاجين وطالبي العون والمساعدة، إذ تطوع نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام بمساعدة امرأتين كانتا تستسقيان لرعي أغنامهم، وكان الشبان يقفون أمام منبع الماء، وهما ينتظران من بعيد، فلما رآهما موسى وهو كان قادم من سفره نحو مدين لم يرض يذلك، فتطوع بمهمة السقي لهما، يقول تعالى: ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ (وهكذا قام موسى عليه الصلاة والسلام بمساعدة المرأتين ، وقد اتضح له بعد ذلك أنهما ابنتا نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام ، وقد زوجه إحداهما تكريماً له، وجزاء لعمله التطوعي.

وفي مقطع آخر من سورة القصص يشير القرآن الكريم إلى مساعدة موسى عليه الصلاة والسلام الرجل الذي طلب منه المساعدة، يقول تعالى: ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾

فتطوع نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام لمناصرة ومساعدة الذي من شيعته على عدوه فقتله ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْه﴾

3- نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام يتطوع ليكون مسؤول المالية:

أشار القرآن الحكيم إلى نماذج من تطوع نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام ، ومنها تطوعه ليكون وزير المالية كما في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾

وتحمل مسؤولية المالية يدل على طموح نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام ، كما يشير إلى أنه كان يرى نفسه مؤهلاً لتحمل هذه المسؤولية العظيمة والمهمة، لذلك تطوع من تلقاء نفسه للقيام بها.

وفي سورة القصص يشير القرآن الكريم إلى أن نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام عندما أدخل السجن قام بالدعوة إلى الله تعالى، كما تطوع بتفسير الأحلام للسجناء، وقد أشار القرآن الكريم لذلك في قوله تعالى: ﴿وَدخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كافرون * واتبعت مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾فهذه الآيات الشريفة تشير إلى تركيز نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام – حتى وهو في السجن – إلى الدعوة إلى الله تعالى، وإخلاص العبودية له، وتوحيده عز وجل، ولعله استفاد من حاجة السجناء إلى تفسير أحلامهم بدعوتهم أولاً إلى توحيد الله عز وجل بالمنطق والبرهان كما تشير لذلك الآيات الشريفة.

4- الرسول الأعظم يتطوع في العبادات:

ذكر القرآن الكريم قيام الرسول الأعظم ﷺ أنواع العبادات من النوافل والسنن والطاعات تطوعاً لله عز وجل، كما في قوله تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ﴾

وقد كان النبي ﷺ بعد نزول الوحي عليه كثير العبادة والقيام حتى تورمت قدماه، ويكاد لا يستطيع الوقوف لشدة التعب من كثرة العبادة، فنزل قوله تعالى: ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾

خلاصة القول: إن القران الكريم عندما يشير إلى الأعمال التطوعية التي كان يقوم بها الأنبياء (عليهم السلام) إنما يريد إرشادنا إلى أهمية العمل التطوعي، وأن فيه رضا الله عز وجل، وأنه يساهم في بناء المجتمعات، وتقدم الأمم، وتطور الحضارات، فلنقتدِ بالأنبياء في ممارسة العمل التطوعي، وليقم كل واحد منا بما يستطيع في خدمة المجتمع، ومساعدة الناس الذين هم بحاجة للمساعدة والدعم والعون، ولنقف إلى جانب الأيتام، ﴿وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

شاهد أيضاً

النوستالجيا… ذاكرةٌ تستيقظ حين نحتاجها

بقلم / عبدالمحسن محمد عسيري لكلٍّ منّا لحظةٌ قديمة تختبئ في زاويةٍ من الذاكرة؛ لحظةٌ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com