ما الذي سينتاب أحدنا لو سمع أن جمعية حماية المستهلك تواجه صعوبات كبرى حين تهم بوضع قوائم سوداء لمن يخالفون النظام بغش المستهلكين، والسبب هو الخوف على مشاعر «القبيلة» حين يُشَهَر بأبنائها الغشاشين؟
عني لا أعتقد أن الصعوبات محصورة في مجرد الحرص على هذه المشاعر، لأن تجربتنا مع الإرهاب وأسمائه تثبت أننا تجاوزنا هذه المرحلة بمسافات بعيدة، ولم تعد تؤثر في عقولنا الواعية، وأرواحنا الصادقة مثل هذه التخوفات والعراقيل نحو إيقاف أي متلاعب عند حده وعلى جانب موازٍ، كأن هذا المبرر للجمعية يلمح إلى أن القائمة السوداء يتزعمها قبليون ويقفون بحماسة من دون أن تظهر، أو أن هذه القائمة ستولد بشكل طبيعي في ما لو كانت أسماؤها لا تنتمي إلى «القبيلة».
قد يكون الخلل في النظام وليس في مبرر «الخوف على المشاعر» وإلا فما دخل القبيلة المتزنة بابن عاق لها وغاش لوطنه وناسه؟ وكيف تتحمل وزره وخطأه؟ ولماذا نعلق أخطاءنا وملامح تقصيرنا على الوتر الذي نعرف أن مجتمعنا سيتفاعل معه؟ انما حتى وإن تفاعل معه لوقت فإنه لن يستمر التفاعل حين يكون خطأً وغشاً وتلاعباً بالعقول والجيوب المنتمي لها للفاعل أولاً، ولا أظن أن الجمعية ترى أن مشاعر القبيلة أهم من مشاعر الوطن وأفراده أو تستحي منها للدرجة التي تجبر معها على الصمت والتخاذل.
أظل ضد هذا المبرر القاتل في صدقيته، والجارح في كونه المشجب الذي ربما نعلق عليه إهمالنا. هل يعني هذا أن نبلع الغش بمحتوياته ونغض الطرف عن محاولات الضرر المؤكدة والتحايل والنصب والخداع ونمررها حتى لا نجرح القبيلة؟ من يغش الوطن ومواطنه يجب أن يسحب لأول سطر في الصفحة السوداء ويشهر به، فلن يسيء أحد الأدب إلا مع أمان تام للعقوبة، ومع دامت الجمعية التي نؤمل منها أن تكون صارمة جادة وصريحة صادقة تساوم على أجسادنا وأعمارنا من أجل مشاعر كاذبة فهذه كارثة، لأن مثل هذا العمل لا يُقبَل أن تتحرك معه العاطفة وتظهر الرحمة.
بهكذا ضعف قد نعيش مع حالات الغش ونتنفس فضائحها يومياً مع الأكسجين، من دون أن تلوح بوادر في الأفق بأن هناك إيقافاً لها أو تصدياً عنيفاً لمن وراءها قبلياً كان أم غير ذلك، فمعالجة أخطائنا بأخطاء أخرى يتم الانطلاق منها للتجاوزات والفساد والعبث مؤشر خطر وتهور غير محمود العواقب.
لم تكن هذه هي النتيجة المنتظرَة من جمعية حماية المستهلك حين سُئلت عن عملها ودورها، إنما لعل الفتحة المؤكدة على لام المستهلَك الثانية أثرت فيها المشاعر القبلية وغيرها، فأحالت الجمعية مشكورة تجمعها الشكلي واجتهدت لأن تكون اللام السابقة مكسورة بقدر مساوٍ لخواطرنا المكسورة مع كل حالة عش وخداع لا نجرؤ على إيقافها، مع أن هناك بصيص أمل بسيطاً من أن العذر الذي نطقت به الجمعية أخيراً لا يعدو كونه رأياً شخصياً عابراً من مشاهدات خاطفة، وإلا فإن الجمعية لن تأخذها في الله لومة لائم، وهي مدركة بأن حياة الناس ليست لعبة، مع عدم احترامنا واستحالة تقبلنا لأي عذر يمنع التشهير بالغاش والمحتال والمخادع – لوطن وأرض – فردياً كان أم جماعياً.