العودة للقراءة من بوابة التقنية

سنة الله الكونية في جعل المعرفة محور التغيير لا تتغير “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ” وحين أمر الله تعالى في كتابه العزيز بفعل القراءة كان الأمر مفتوحا على أفق القراءة الواسع الذي به يكون تكوين الوعي وعمارة الكون أيا كانت آلية هذه القراءة. و نزل القرآن العظيم على نبي أمي على اختلاف المفسرين حول مفهوم الأمية ، لكن الله أمره عليه الصلاة و السلام بالقراءة وكأنه يعلّم الخلق أن أفق القراءة أوسع من أن يختص بالكتاب والقلم بل يشمل آفاقا أخرى كالقراءة الذهنية والتأمل إلى ما جاء بعد ذلك من مساحات أوسع للقراءة جاءت تالية لفعل القراءة بآلياتها المعروفة، إلى العصر الحديث الذي تعددت فيه منافذ القراءة أمام الأجيال المعاصرة بصورة ربما لم تسبق .

ظهرت التقنية الحديثة بإتاحات قرائية جعلت أمام المتصفح مساحات أرحب للقراءة وكانت بدايتها مع أجهزة الكمبيوتر التقليدية التي أتاحت للمتصفح المكتبات الشاملة التي تضم عشرات الآلاف من أمّات الكتب التي يمكنه تحميلها على جهازه كالمكتبة الشاملة وكذا الموسوعة الشعرية التي وصلت لمليوني بيت من الشعر إضافة لمؤلفات نشط أصحابها أو من يهتم بإنتاجهم على وضعها على أقراص مدمجة صوتية كمؤلفات الشيخ الشعراوي ودواوين المتنبي والعشماوي وغيرهم ناهيك عن المحركات البحثية على الشبكات، و استطاعت هذه التقنية أن تقرب المعرفة من المهتمين بها ومن الباحثين الذين وجدوها فرصة سانحة لفتح آفاق معرفية مهمة لتغذية المكتبات الخاصة والعامة بالكتب المفيدة التي كان يحلم البعض باقتنائها فأصبحت عند أطراف أنامله. لكن فعل القراءة بقي في إطار النخبوية.

واليوم تقدم الشركات المعنية بالتقنية مقاربة تاريخية تقوم على مقاربة الحواسب التقنية مع أجهزة الاتصال المحمولة في أجهزة كفيلة أن تلغي ما كان يسمى بالحاسب الآلي، وهو تقدم هائل في مسار التقنية الذي يهمنا منه أن نقف على تأثيرها في تعزيز فعل القراءة عند الأجيال المعاصرة ، وهو تأثير من وجهة نظري إيجابي وإن جاء أحيانا على حساب الكتاب الورقي ولا ضير ، ففعل القراءة كما أسلفنا في التقديم منفتح بنص القرآن الكريم على كل الآفاق القرائية .

لقد أصبح المتصفح الإلكتروني للأجهزة الحديثة قريبا جدا من فعل القراءة ويستطيع باشتراك زهيد لا يتجاوز قيمة كتاب ورقي واحد أن يتصفح عشرات الكتب والروايات والصحف والمقالات، ويكون حاضرا في وعي ما يحيط به من حركة ثقافية واجتماعية وسياسية بما يعزز الأمل أن تتحول أجهزة التقنية الحديثة إلي أجهزة داعمة للوعي والقراءة والكتابة، والأمر في هذا متاح إذا ما أرادت الأجيال لذلك أن يكون؛ ، فالتقنية إذا تجاوزت مرحلة الإدهاش تنقلب عند المستثمر العربي دوما إلي غاياتها الإيجابية .

وهي تقنية مطواعة تخضع للمستهلك في توجيهها حسب حاجاته ،إضافة إلي أن مثل هذه التقنيات الحديثة مدعمة ببرامج عالية للتصحيح اللغوي ولها أثر خفي دقيق في تعزيز الصحة اللغوية إضافة إلي تعزيز فعل القراءة.

ولعلي هنا أخصص مقالي القادم لتقنية أحسبها شكلت في الثلاث سنوات الأخيرة منعطفا تاريخيا مهما في حركة القراءة العربية وأعني بها تقنية الـ(واتس أب) ،وهي تشكل خطابا يتشظى في اتجاهات معرفية جديرة بالتأمل والنظر..

>

شاهد أيضاً

سكر الأجاويد في نهار رمضان

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com