توقف (محروم) مع صديقه بجانب أساسات عدد من الأبراج السكنية العملاقة لإصلاح عجلة سيارته (المخرومة)، وسط حر الصيف الخانق. ومن بين قطرات العرق، ينظر عالياً بحسرة، ويقول بكل ثقة: كنت أمتلك جزءاً من هذه الأبراج، قبل أن تُسلب مني. فينظر له صديقه نظرة استهزاء، وهو يتأمل ثيابه الرثة، وسيارته (القرنبع)، ثم يرمي من يده مفك العجلات، ويقع على ظهره وسط الشارع ضاحكاً وهو يظن أن (محروم)، يهذي بفعل ضربة شمس. فيشرح له (محروم)، أن والده المرحوم كان قد أفنى جل عمره موظفاً يدفع للهيئة العامة للتأمينات والمعاشات جزءاً كبيراً من مرتبه الشهري كتأمينات، وأنه كان يتمنى أن يحصل على التقاعد في سن مبكرة، حتى يتمتع بحياته، ولكن نظام التأمينات كان يمانع في ذلك، فاضطر والده للعمل حتى بلغ سن الستين، ثم توفي بعدها مباشرة بحادث مروري، هو ووالدته.وبعد وفاتهما الفجائية، اتضح للهيئة أن أبناءهما قد خرجوا جميعاً من دفتر العائلة.وبمعنى آخر لم يعد من بين الورثة مَنْ يستفيد من نظام التقاعد حسب قوانين الهيئة، التي تعد المالكة لكل تلك الأبراج الهائلة، والأسواق العصرية الاستثمارية.وأضاف (محروم)، بحرقة: جزء غير معلوم من هذه الأبراج تم بناؤه بكد أبي، وبدم قلبه رحمه الله، وقد حُرمت أنا وبقية الورثة منها عنوة!.فيرجع صديقه للبحث عن مفك العجلات، والخجل يمنعه من الكلام.ولسنا هنا لنحسد هيئة المعاشات والتأمينات على مشروعاتها المنتشرة في كل زاوية، ولا على تطاول رؤوس أموالها البليونية والتريليونية، وربما الجوجولية، إنما نريد فقط أن نوضح أن الأمر يستدعي شيئاً من العدالة والأمانة الاقتصادية الاستثمارية مع الشركاء، فكل هذه الغابات من المشروعات نمت من بركة أيدي المواطنين على مدى السنوات الماضيات.والهيئة لا تستطيع أن تنفي أحقية والد (محروم)، فلو أنه كان يستثمر ما يقتطعونه من قوته، في أي مشروع مربح، لكان ريعه مستمراً يضخ عليه، وعلى ورثته، دون النظر لأعمارهم، ولا لوظائفهم، ولا لزواج البنات، ولا لوظيفة الزوجة أو زواجها.فما ذنب الأبناء إن هم كبروا؟. وما ذنب البنات إن تزوجن؟. وما ذنب ورثة الزوجة إن هي ماتت؟.الحق أحق بأن يتبع، وما يحصل يحتاج لإعادة ترتيب للحقوق المهدرة، وإعادة تخصيص، وعمل (حسبة كمية)، لكل موظف متقاعد، لا تنقص بموته، ولا بكبر وزواج ورثته.حيرة كبيرة، ولن نجد لها الأجوبة المقنعة، طالما بقيت أنظمة المعاشات على ما هي عليه.مبدأ الهيئة استثماري بحت، والمواطن المشترك في التأمينات يعد شريكاً مساهماً، له الحق في رأس أمواله، وأرباحها على مدى السنوات التي خدم بها، ولا يجوز أن يُحرم هو ولا أي من ورثته من التمتع بما شاركوا به في الهيئة من أموال.
وكمواطنين لن يفيدنا تطاول هيئة المعاشات والتأمينات في البنيان، بقدر ما نتمنى أن تقوم بتوزيع أرباح أموال المواطنين عليهم بعدل وأمانة.>
شاهد أيضاً
أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري
صحيفة عسير – مها القحطاني : استقبل صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن …