شاعرفي المزاد

رفض مواطن تزويج ابنته للعديد من العرسان الذين تقدموا لها. مشترطاً أن يكون العريس شاعراً. وفي حين برر الأب شرطه بأن ابنته تتذوق الشعر. ولا بد أن يكون فارس أحلامها شاعراً. فهي تحفظ قصائد المتنبي وعنترة بن شداد وقيس بن الملوح وامرؤ القيس وغيرهم. هذا ما نشرته جريدة المدينة. ترى ما الذي أعجب هذا الأب بحياة الشعراء حين يبتلي ابنته بهم؟ هل أعجبه جنونهم وذهولهم وتلبسهم بالجن القادمين من وادي عبقر؟ انظر إلى سحناتهم وقد تسربلوا بالإعياء والشحوب والقلق المعتم. يلهثون على مفارق الطرق باحثين عن بنات أفكارهم. ويقتعدون أريكة الخيال في انتظار ما لا يأتي. يستجيرون بالبكاء كلما ضاقت عليهم رئة الانعتاق. وأزمنة الانكفاء يدخلون في الهزيع الأخير في تهويماتهم ورجفاتهم فتشتعل مساءاتهم بالشجن المورق وبؤس الخطايا. ينادمون الريح المطفأة فترتعش أنفاس حروفهم المهرولة في صدروهم كالزوبعة. لا يأبهون بجوع أطفالهم ولو نما شجر الصبار على أضلاعهم والتهمت جمرة المواجع والانكسار أناملهم. لماذا يستدعي ذلك الأب ويستنهض غرور الشعراء فيظنون أنهم عناقيد العذارى الشهية. وفاكهة المرايا المحمومة التي تهدهد القلوب الرطبة والمشاعر البيضاء؟ لقد تعروا كالزمهرير فلم نبصر تحت جلودهم غير معاطف السهر. وهمهمات الطوى والفاقة. وأظفار التعب والأرق وقبضة الإحباط والفناء. يأكلون حروفهم كلما جاعوا وغيرهم يأكل العجل الحنيذ. ليس بمقدورهم الركض في فجاج الغبار. وطقوس الكسب فهم لا يملكون أجنحة قادرة على بناء الجدران الدافئة. والغرف المكيفة. والقصور الشاهقة. نعم يملكون بيوتاً من كلمات غضة وأبجديات عطشى. وسطور مغموسة بالكفاف وصبر المحتسب. ماذا تريد هذه الأسرة الكريمة من شاعر غلته ومحصوله الحياتي ركام من الأوراق. والتمتمات والصلعة الشعثاء اليانعة. والنوح الدامي. والكدر المذعور؟ ما الذي شد تلك الفتاة لتربط مستقبلها برجل يوقد مصباحه من زيت المعري والمتنبي. وتقتات معه من عروق الحيرة وتماثيل الوهم ؟ ليس معه ميراث غير الرؤية والرؤيا. وفوضى الأحلام. ليس معه رصيد إلا طعم الحنظل. وغابات الحبر وطيلسانه المرصع بخبز الشعر وثمرات الغربة. وعصا يهش به على أخيلته وأفكاره. يوزع أحزانه على الأرواح الذابلة. واختلاجات الموت. ونبض الريح فيأتي صوته خافتاً كحد اليأس متململاً كأسرار العشاق. تصعد أناته وشماً فوق حرير اللغة. فيغني للأرض للطفولة للإنسان. ثم يذهب ويتلاشى كالعشيات. وينسل كرذاذ البحر. ويموت كمرفأ هجرته الشمس ومواويل البحارة. >