هدموا دوار الساعة

اتصّل عليّ صديقي المزعج وهو يزبد ويرعد ويقول : “أبو إبراهيم تكفى ..الحق ” هدموا دوار الساعة !! فقلت له : هوّن عليك الأمر ،صحيح أن للإنسان روابطَ مع المكان تربطه به ومعه ذكريات ومواقف ،فيكون الحنين له مشتعلا لا تنطفيء جذوته ،يتجدد الشوق له عند الغياب وعند الفراق ، فما بالك إذا كان معلما عاش فينا وعشناه ،ومن عادة العرب حنينهم الجارف نحو الأماكن والطلل مزارع كانت أم مواقع في الجبال والفيافي ،أم منازل كانت وكان أهلوها ،رغم قناعتي بهذا -قلت له مازحا- ،لكن ليهدم يا أخي ،قال “وش تقول أنت ، يهدم ؟ أنت صاحي ؟! فقلت له : أقول لك لتعلم أني صاحي أكثر منك ،دوار الساعة يذكرني بقيمة الوقت من خلال تلك الساعة المعلم التي تعلو المكان منذ زمن بعيد ،وهي تذكرني بساعة “بق بن” اللندنية “مع الفارق طبعا ،لكن كم مرة نمرق من أمامها ونحن لانعير الوقت قيمة “وننسى قول الشاعر “والوقت أنفس ماعنيت بحفظه… وأراه أسهل ماعليك يضيع ” نمر بها ونحن متأخرون عن مواعيدنا الكثيرة ،إما عن موعد مستشفى ،أوعمل ،أوعن زيارة ،أو تسوق إلخ هذ أمر ،الأمر الآخر لي ذكرى سيئة مع الدوار ،حينما رمى أحد أصدقاء الطفولة الأشقياء “طاقيتي “داخل دوار الساعة عندما كان حديقة مسورة بشيك حديدي ،فقفزت وأنا طفل صغير ،لأحضر طاقيتي خشية من عقاب أمي والتي ستسألني بمجرد عودتي للبيت أين طاقيتك ؟ فعلق ثوبي في رأس السور الحديدي الذي يشبه السهم ،وبقيت متدليا حتى خرج أحد المصلين من الجامع الكبير المجاور للدوار لينقذني من ورطتي ،فليهدم ياأخي !! صاحبي “الباكي “على دوار الساعة الذي كان يصغي لي ،لم أعد أسمع منه ؛ إلا ضحكه الهادر من سماعة الجوال ،وقد ذكرتني بضحكات محمود المليجي -رحمه الله- المزلزلة حينما ينفجر ضاحكا !!>

شاهد أيضاً

سكر الأجاويد في نهار رمضان

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com