الثوب الأزرق

كان كلما حلَّ فصل الشتاء قامت أمُّه بإخراج ذلك الثوب الأزرق من مخبئه استعدادًا لمواجهة البرد القارس ولسعه المؤلم ، لم يكن لديه سوى ذلك الثوب الذي ظل يلبسه طوال ثلاثة أعوام في كل شتاء حتى خَلِق ذلك الثوب ، وبدت خيوطه تضعف وتتحلل ، بل وتتقافز من كل مكان ، ومع ذلك فإنه كان يجد الحياة سعيدة في ظل معرفته بالظروف القاسية ، واستحالة وجود البديل ، بل وكان يتحمل سخرية بعض زملائه الذين ينادونه بصاحب الثوب الأزرق مرددين بأنه لا يوجد لديه سواه ، وهي الحقيقة التي كانت تحمله على الرضا بواقعه وعدم الحزن .. بالإضافة إلى تأثره بما عرفه من صبر الحبيب عليه الصلاة والسلام ، وأصحابه على شظف العيش وشدته مما جعله يدرك أن اللباس ليس غاية نبيلة !!

اليوم ، وهو يشاهد من كان في سنهم ، وكيف صار لبسهم ، والذوق في اختيار ملبوساتهم يعرف كم كانت الحياة صعبة فيما مضى ، لكنها كانت حياة بسيطة سعيدة ..

كثيرون اهتموا في انتقاء ملبوسات أولادهم ، وهذا حسن ؛ لأنهم أرادوا ستر أجسادهم وتدفئتها ، لكنهم أهملوا ستر عقولهم بتثقيفهم الثقافة السليمة ، بل وربما سعوا إلى إتلافها بترسيخ ثقافة الموضة الخاطئة ، حين وافقوهم عليها ، أو تلقفوا كل معروض دون أن يكون للأب أو الأم أي دور في اختياره !!

في الماضي كان يقبل ما يختاره والداه دون أن يناقش ، بل وكان يلبس هو وإخوته اللون نفسه ، والنوع عينه ، وكانت الحياة فيها ألفة ورضا وقناعة !!

اليوم الطفل قبل المدرسة هو من يختار لباسه راضيًا بالاختيار تارة ومنتقدًا تارات أخرى !!

لم يكن يناقش ، ولا يختار ، بل يرضى دون أن يحار !!

اليوم .. صار مع الثوب الأزرق أثواب زرقاء وسوداء وصفراء وغيرها .. الخزانة ملأى .. لكن التشرد ، والفقر ، والملابس الممزقة التي يرتديها أبناء المسلمين لا تزال ترده إلى ذلك الزمان ..

ولسان حاله يقول : ما قيمة جمال الثياب ، وثياب الأطفال بالية ، وأسمالهم ممزقة ؟!

أنا لن أعيش العمر مرتين ، لكنني سأحيا مرات مع أطفال المسلمين !!!!
>

شاهد أيضاً

سكر الأجاويد في نهار رمضان

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com