تذكر كُتب التراجم أن العَلامة النحوي خالد الأزهري المتوفى سنة (٩٠٥) هـ – رحمه الله – كان شابًّا خادمًا في الأزهر يقوم بإيقاد السُّرج حتى تضيء المكان لطلاب العِلم ..
فسقطت منه يومًا فتيلةٌ على كُرَّاس أحد الطلبة فشتمه ، وعيَّره بالجهل .. فعزَّ عليه شتمه ؛ فاشتغل بطلب العلم ، وكان قد تجاوز الثلاثين من عمره ، فبرع في النحو حتى صار من أعلامه الأجلاء .. له مؤلفات عدة ، منها : ” التصريح بمضمون التوضيح ” ، و” الأزهرية ” وشرحها ، و” شرح الأجُرُّومية ” وغيرها .. وهذا مثال من الأمثلة الصادقة على التغير ، والعزيمة الصادقة في الانتقال من السلبية إلى الإيجابية ، وإن كان العمل لا عيب فيه !! لكن الإنسان مطالبٌ بالأفضل ما استطاع إلى ذلك سبيلا !! .
ونحن بحاجة إلى أن نُفرِّق بين التغير والتغيير .. وهما من المصادر التي كَثُر سماعها اليوم من مصادر مختلفة بعد أن شهدت بعض المجتمعات تقلبات ، واختلافات تنادي بالتغيير
عضدها رغبة كثير من المُصلحين ، والمدربين الرقي بالإنسان في زمن التقدم والترقي .
وقد قال الله تعالى : ” إنَّ الله لا يُغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” فإذا انتقل المرء من حال المعصية إلى الطاعة ؛ فسيغير الله حاله من الشر إلى الخير ، ومن الشقاء
إلى الهناء . ومن هنا كان على الإنسان الحق ألا ينتظر التغيير المفروض عليه بوساطة خارجية ، بل عليه المبادرة بالتغير ، وجعل النفس على غير ما كانت عليه متى ما احتاجت إلى التغير .. وبضعف البشر ، ووقوعهم في الخطأ دائمًا جَدُر بالإنسان أن يسعى إلى التغير إلى الأفضل باستمرار .. فالحسنة تمحو السيئة ، والمعرفة تطمس الجهالة . والتغير الإيجابي مطلب ، وضرورة متى ما أحس الإنسان حاجة في نفسه إلى ذلك باتباع الطرق الصحيحة ؛ وذلك بالسير في طريق الهداية ، والبُعد عن سبيل الغواية .. وهو أفضل طرق التغير ، ولذا فقد استعاذ النبي عليه الصلاة والسلام من الحَوْر بعد الكَوْر ، أي : من الضلالة بعد الهداية ، ومن نقصان العمل بعد الزيادة .. فيا أيها الحصيف اجعل هدفك دومًا رضا الله سبحانه .. تغيَّرْ من أجل تحقيق هذا الهدف الأسمى .. ولا تنسَ نصيبك من الدنيا ..
ارفع من شأن نفسك بالإيمان ، واطلب العلم النافع بالإتقان .. اكسب الكسب الحلال الطيب ، وأحسنْ معاملة الناس بقلبٍ خالٍ من الأحقاد ، ونفسٍ نقيةٍ من الأحقان .. اجهدْ من أجل ذلك ؛ لتَصْلُح ، وتُصْلِحَ من حولك ؛ فيتحقق التغير الإيجابي دون الحاجة إلى تحقيق ذلك بعنفٍ مؤلم ، أو فوضى مُخرِّبة .. ودون النكوص إلى الخطأ بعد الإصابة مِرارًا ؛ فتصيرُ كمن نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثًا !!>