تحوم حوله أروقة الصمت الثقيل . وسرج الأعشاش المتدلية من شجر الطلح . وصرير الدهور يملأ المكان برائحة الموت . يمضي صامتاً والشمس الداكنة تذوب وتنحل كالهدوء المريب من على حافة الجبال السود. ترنح جسده المتعب وغرق في ذهوله أمام مقبرة القرية . بعد أن لف قلبه بمنديل الدعاء المأثور. وضوء الآيات المشمسة. أنهى مشواره الليلي الذي اعتاده كل مغرب. فقد تعود أن يترك داره ليذهب إلى دار صديقه الرابضة على سفح جبل موحش. ولكنه يستأنس بهديل القطا. ورائحة بخور الجاوي. ودفء العشاء الشتوي الذي يفوح من دار صديقه. ويرف عجاجه دوائر في حلق السماء منطلقاً من (الملهب) الذي تعّود سكان القرية أن يجعلوه أعلى غرفة من غرف المنزل. لكي تتسرب منه إلى الفضاء الروائح والأدخنة وبقايا الطبخ. لم يكن يبوح لصديقه بدوافع حضوره الليلي. مسامرة قهوة وإشعال فوانيس الذكريات. مطارحة حكايا العمر المبعثر وصديقه كائن ساخر عذب الحديث. طاهر الروح كعبير الأرض بعد هطول المطر. يهوى ويستمتع بـ (مقالب) سخية في الآخرين. يصنعها بين حين وآخر. كانوا يطلقون عليها العجبة. لتزهر على شفاههم الابتسامة. وليبللوا بمائها قسوة القاحل والمضجر من أيامهم. تكسرت جرار الصبر داخل صديقه. فلم يعد يطيق ذلك الهجوم الليلي على مائدته البسيطة. فقد أجحف صديقه وأسرف في الزيارة التي يلتهم خلالها ما توافر من حصاد الحقل وما دّرت به حلمات البقرة الوحيدة . هو يعلم أن صديقه الزائر يجفل من ظله. لا يحب العتمة. مسكون بأحاديث الجن والسعلاة ورقصات العفاريت الليلية في الخرابات. من هنا قرر أن يكمن له ذات مساء بين الأضرحة. أحس بالنشوة. اقتعد المكان. بعد أن حفت به عناقيد الظلام . أقبل صديقه متوجساً. اقترب من المقبرة. سلم عليهم في صوت راعش. وهنا نهض صديقه بعد أن خلع بعضاً من ملابسه. وصاح فيه بكلمات غامضة. اضمحل الرجل. وغاب كالإعصار في الحلك. كان يصرخ ويسعل ويتحاشى النظر إلى الخلف. يرتطم بالأغصان الغليظة. لهاثه المخنوق ينطلق من حلقه كالحريق ، وصل باب داره . انهمك في فتحه فلم يفلح. أغمي عليه وسقط مغشياً عليه .
في المساء كان صديقه يتعشى وحيداً. فجأة كف يده من داخل (صحفة العود) أحس بفداحة الفقد حمل صفحة الطعام، و (ردف) صديقه بعد أن أبصره معلقاً على جذع طلحة يابسة جوار المقبرة دون أن يبوح له بسره . >
شاهد أيضاً
الجمعية الخيرية بمنطقة جازان تنهي تفويج 1000 معتمر ومعتمرة
صحيفة عسير – حنيف آل ثعيل : انهت الجمعية الخيرية بجازان وجميع الجمعيات المشاركة في …