مما نعلمه اعتقادًا ، ونجهل قدره تطبيقًا ، أن الوقت أعظم ما يملكه الواحد منا ، الوقت الذي نعيش ساعاته ، ودقائقه ، وثوانيه هو أغلى سلعة في الحياة ، ومن أدرك أهميته – تطبيقًا – فقد تحلى بنعمة عظيمة ، وتخلى عن عادة مقيته ، فطوبى له ، وحسن مآب لمن حافظ على أنفاسه المحدودة ، وأيامه المعدودة ، فيما ينفعه من أمر الدنيا والآخرة ، يأتي – دائمًا – الحديث عن الوقت ونحن على شُرفات الإجازة الصيفية ، وعتبات العطلة الرسمية ، تأتي الإجازة وفيها تضج الأرض مما يقع فيها من المعاصي والمنكرات ، وتطل علينا العطلة وفيها تبدد الأوقات ، وتهدر الطاقات بالتسكع في الأسواق والطرقات ، يصحبنا فيهما الفراغ فنقتله بالسهر في المقاهي والمنتديات ، ونلبس الساعات في أيدينا فتضيع دقائقها وثوانيها أمام الشاشات لمشاهدة الأفلام والمسلسلات، وما نحن في هذا الكون الفسيح إلا أيامًا مجموعة ، كلما ذهب يوم ، ذهب بعضنا ، وفي دواوين التراث كمٌ هائل من النصوص الدالة على أهمية الوقت يعرفها صغيرنا قبل كبيرنا ، والتي أرى أن عرضها في هذا المقال مما لا فائدة منه ، ولكن مما لا بد أن نعلمه أن هذا الفراغ الصارخ الذي نعيشه ، سوف نشعر بقيمته يومًا من الأيام ، سوف يعرف قدره المضيع لأيامه بما لا ينفع عندما يرى صديق طفولته وقد أصبح مفكرًا أو مخترعًا أو مبدعًا في فن من الفنون ، وسوف يدرك أهميته من يرى جاره أو زميل دراسته وقد غطت صورته شاشة التلفاز ينظّر لقضية أو يحل مشكلة ، وما الفرق بينكما إلا أن هذا قد استغل وقته بما ينفعه ، وبنى لنفسه مجدًا ، فارتفع بين الناس قدرا ، وسوف يمر بنا وقت من نوع آخر ، كل البشرية تعرف لحظتها قدره ، وقد بيّن ربنا متى هو ؟ فقال فـي كتابه : ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحًا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) ، فلن يشعر بالندم المضيع لأوقاته قيمة ما ضيعه أشد ما يكون وقتها ، وإنه من الخطأ لدى كثير من الناس عندما يظن كل الظن أن الوقت في الصيف لا يُحفظ إلا بالصلاة والصيام وقراءة القرآن ، والصواب شرعًا وعقلاً أن المسلم في كل عمل يفعله مما ينفعه ولم يكن فـي أمر محظور فهو في عبادة ؛ فالذي يضرب الأرض سعيًا في طلب الرزق فهو في عبادة ، والذي يقرأ في صحف وكتب يترتب عليها رصيد ثقافي ينفعه فهو في عبادة ، والذي يذيب في الصيف الحدود الجغرافية بتعلمه لغة من لغات دول الكرة الأرضية فهو في عبادة ، وخذ من هذا الكثير . وإنما الشأن كل الشأن أن يضيع وقت أحدنا فيما لا ينفعه من أمر الدين والدنيا ، وما ندم العارفون بقيمته ندمهم على يوم تغرب شمسه ولم يزدد فيه تحصليهم المعرفي أو المعاشي ، ونحن بين مطيتين – كما قال حسن البصري – يضعنا النهار إلى الليل ، والليل إلى النهار حتى يسلمانا إلى الآخرة . وإن مما يُشعر المرء بأهمية الوقت أن يدُرك الجاهلون به أن في نواصيهم عقدت أمانات عديدة ، ومسؤليات عظيمة تجاه دينهم ووطنهم والمجتمع من حولهم ، فمتى ما عرف ذلك بذل الجهد في أداء الأمانة ، ومتى ما بذله فلن يجد وقتًا يُهدر فيما لا ينفع ، وفراغًا يُشغل فيما لا يُرجى .
ومما يُعين على كسب الوقت أن نعلم أن الفراغ يُقرن بالأمراض النفسية في الغالب الأعم ، فقل لي أيّ مرض نفسي ، أقول لك بدايته الفراغ ، ولما سُئل أحد المهتمين بأوقاتهم ، هل تشعر بالقلق أو الأرق ؟ قال : وأين هو الوقت الذي يجعلني أفكر فيه أصلاً .
ومما يفهمنا قيمة الوقت فعل المعصية ، وارتكاب المحظور ، لأن أوقاتنا لو شُغلت بما ينفعنا لما وجدنا وقت العمل أمر يُغضب ربنا ، وكما يقول سيمون ويل : ( جميع الآثام التي نقترفها هي محاولات لملء فراغ لدينا ) .
وأخيرًا متى ما ملك الفرد وقته ، وسخره فيما يعود بالنفع على نفسه وأسرته ووطنه فليعلم وقتها أنه ملك العالم بأسره ، وسوف تنتهي هذه الإجازة الصيفية كغيرها – بإذن الله – ويكشف لنا كثيرٌ من الناس في أو على فلتات لسانه رصيده الذي أودعه في تلك الأيام . ( إجازة سعيدة ) . د أحمد بن حسن آل عامر
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد>